يتابع الدكتور حسّان أحمد قمحية إصداراته عن أدب المهجر واخرها كتابه /ديوان الشاعر المهجري نسيب عريضة /الأرواح الحائرة وقصائد أخرى /.ولعلّ ما يهمنا هو هذه (القصائد الأخرى )التي تنشر في ديوان عريضة للمرّة الأولى ،علماً أنّ ديوان (أرواح حائرة )الوحيد للشاعر طبع للمرة الأولى عام 1946 ،وطبع بعدها ثلاث مرات ،دون أن يقوم باحث مجد ومجتهد ،مثل الدكتور قمحية ،بالبحث عن القصائد الأخرى التي نشرها عريضة في حمص المهجر ولم يدرجها في ديوانه ،لسبب أو لآخر ..!!
ولد الشاعر نسيب عريضة في حمص عام 1887 والداه أسعد عريضة وسليمة حداد (شقيقة الشاعر المهجري ندرة حداد )غادر مع أسرته إلى المهجر واستقرت الأسرة في نيويورك (بروكلين )مع أسر حمصية أخرى مثل أسرة حداد وحلوة وسمعان وغيرها .
عمل عريضة بعدة وظائف إلى يوم وفاته الاثنين 25 آذار -1946 ،قبل صدور ديوانه ،الذي دفعه للطباعة ،بأسبوع …أيّ أنه لم ير الديوان مطبوعاً …!!
اشتهرت قصيدة عريضة (أم الحجارة السود )وهي تنضح بالشوق والحنين إلى مدينة حمص التي أبصر الشاعر فيها النور ..وهي أم الحجارة السود .ويكاد يكون أحد مقاطعها على كل شفة ولسان ،لاسيما في حمص ،عندما يذكر الحنين للوطن .وهو :
/يا دهر قد طال البعاد عن الوطن /
هل عودة ترجى وقد فات الظعن
عد بي إلى حمص ،ولو حشو الكفن
واهتف أتيت بعاثر مردود
واجعل ضريحي من حجار سود /
ويعد عريضة وبعض شعراء المهجر ،أول من ضمنوا قصائدهم نظام التفعيلة الواحدة ،ويتساءل الدكتور قمحية ..هل كان هؤلاء أول من عبدو الطريق أمام قصيدة التفعيلة ؟!!
ومن القصائد المكتشفة من قبل د.قمحية الذي أصدر قبل هذا الكتاب عدة كتب عن أدب المهجر ،منها دواوين ،جمعها وأصدرت في كتاب لأول مرة مثل ديوان الشاعرة المهجرية /سلوى سلامة /…
يقول نسيب عريضة في قصيدة تنتشر لأول مرّة في ديوانه /صرنا نعد الرفاق /وهي منشورة في جريدة السائح /التي رأس تحريرها عبد المسيح حداد (شقيق ندرة حداد وسليمة حداد والدة نسيب عريضة )وكانت لسان حال الرابطة العلمية في نيويورك التي كان من أعضائها :جبران خليل جبران وندرة حداد ونسيب عريضة ووليم كاتسفليس
يقول عريضة في قصيدته الآنفة الذكر (صرنا نعد الرفاق ):
خلا صاحب من صفوف الرفاق
أفي كل يوم نذير افتراق
أفي كل مشرق شمس غروب
أفي كل مطلع بدرٍ محاق
حنانيك يا دهر ،عللتنا
بعيش ظنناه حلو المذاق
فما راعنا غير داعي الجمام
ففي كل يوم نوى وانطلاق
ومن القصائد التي تنشر لأول مرة ،في هذا الديوان ،قصيدة (أماني )التي نشرها عريضة في (مجلة الفنون )المهجرية ومنها :
ليتني كنت طائراً أتفلى
في فضاء الحقول فوق التراب
أركب الريح تارة ثم أعلو
في فيافي المجهول خلف السحاب
وطني الروض ،والأزاهر عيد
غازلتني ،فكدت أنسى صوابي
ليتني كنت نسمة من رياح
عاصفات تثور فوق الهضاب
ونلاحظ في قصائده تنوع القافية ،مما يعطي القصيدة رشاقة وألقاً .
والديوان الذي قارب الأربعمائة صفحة من القطع الكبير ،مرتب حسب الترتيب الهجائي للقوافي ،ويضم فهارس للقوافي والقصائد .ويرى د.قمحية الذي حقق الديوان وجمعه واعتنى به ،أن المخزون المعرفي والفلسفي في قصائد نسيب عريضة يحتاج إلى المزيد من التأمل والعمق ،وعتبات النص في شعره جديرة بالدراسة والرصد ،وأسلوبه في سبك القصائد وإيقاعها الخارجي.
عيسى إسماعيل