تحية الصباح .. السوداوية عند الكتاب

على الرغم من أن الكتاب يصنعون الفرح والمتعة للآخرين إلا أنهم يفتقدون هذا الشعور بالفرح .. وتراهم من الداخل قانطين .. يتملكهم الحزن والأسى .. ويعتلون هموم العالم بأسره .. ومعدنهم الأصيل هو الحزن .. فيما تشكل السعادة صدأ يزول بسرعة .. فلماذا هذه الكآبة والسوداوية ؟!
يقول بور خس : بإمكان المبدع أن يخترع أسطورة ولكن لا يمكنه شرحها .. لأنه لا يمتلك أجوبة لسانية لما يجول بخاطره على عكس الذين يثرثرون كثيراً .. ولكن لا يمكنهم كتابة ما يثرثرون به وفي النهاية لن يحصد الكاتب إلا الخيبة ..
ويقول سارتر : نحن نكتب لنشعر بالأمان الذي يودي بنا الى الخواء .
ونرى أن بعض الكتاب يبحرون ويغرقون في السوداوية والألم فيقول بورخس : الأدب يتغذى على الفاجعة .. والحب أكبر خطر على المبدع .. ويقول المفكر الفرنسي ألفرد فونسيبه : ما من شيء يجعلنا عظماء كألم عظيم .. ويقول فيكتور هيغو : للمصائب جلالة أنحني أمامها احتراماً ..
ومن يقرأ وصايا الأدباء والكتاب يلمس جلياً ذاك الألم والحزن الدفين .. فالأديب حنا مينة يوصي في وصيته الأخيرة قائلاً : بعد أن تدفنوني وتهيلوا على جسدي التراب .. عودوا الى أعمالكم ولا تكتبوا عني شيئاً في الصحف .. أو وسائل الإعلام .. واعتبروا الأمر كأن شيئاً لم يكن ..
وأما غابر ييل غارسياماركيز فيقول في وصيته : لو قيض لي أن أعيش عمراً آخر .. لخرجت الى ناصية الحياة عارياً .. وعانقت حبيبتي على رصيف العمر الى نهاية العالم .. ولن أكتب حرفاً واحداً أما قمة السوداوية فتتجلى عند الشاعر محمد الماغوط .. فقد سئل قبل وفاته : ماذا تحب أن تكتب على قبرك ؟ فقال لاشيء ..
من كل ما سبق نستنتج ما يحمله الكاتب من مشاعر الشقاء والألم والحزن .. فلماذا ؟
ربما تكون أحد الأسباب هي أن الكاتب أو الأديب اكتشف حقيقة الحياة والانسان مبكراً .. وقبل غيره من الناس اكتشف كم هو الإنسان عظيم بقدر قزامته .. .. وكم هو خير بقدر ما هو شرير .. وكم هو خالد بقدر ما هو فان .. لقد استطاع الكاتب أن يكتشف قبل غيره مفارقات الحياة .. وتناقضات الإنسان .. وجوهر الوجود .. وسرية الموت..
وربما كانت لكل كاتب ظروفه الخاصة التي تجعله يعيش كئيباً مهموماً .. يحمل هموم العالم بأسره .. على الرغم من أنك تلمس في كتاباته الجمال .. والفرح .. والتفاؤل .. والسخرية الجميلة .
وترى في أشعاره أجمل الصور المتحركة .. التي تثير الدفء والسرور وزهور الربيع .. ورقرقة الجداول .. وبياض الثلج .. وألق الحياة .
وأما ما يثير ألمنا نحن الكتاب العرب فهي كثيرة وأهمها من وجهة نظري .. هي ظروف حياتنا الثقافية المتدنية .. بسب قلة الحوافز التي تدعونا الى الكتابة .. وإهمال جانب الأدباء من قبل المؤسسات الثقافية العليا .. فعلى سبيل المثال قد تتعفن كتابات بعض الروائيين في الأدراج دون أن يتمكن من نشرها بسبب التكلفة المادية الكبيرة ..
وما يؤلم حقاً عدم وجود برامج ثقافية كافية في وسائل إعلامنا تهتم بالأدب والثقافة .. وتزيح الرماد من فوق جمرات من الأدباء المغمورين …
في كل دول العالم هناك دور نشر أو مؤسسات أو شركات ترعى الكتاب .. وتساعدهم في نشر كتاباتهم وطباعتها .. بينما نفتقر نحن لمثل هذه القضايا ..
ربما نجد في وسائل إعلامنا برامج تهتم بقضايا أخرى أكثر من اهتمامها بالكتاب والأدباء .. مع العلم أن أي عمل فني من أفلام ومسلسلات ومسرحيات وغيرها قد أبدعها قلم كاتب قبل أن يتباهى ويفخر بها المخرجون والفنانون والممثلون ..

د. نصر مشعل

المزيد...
آخر الأخبار