طروحات لتطوير الحياة الثقافية مثقفو حمص: دعم (الثقافة) مادياً ومعنوياً يمكّن المثقف الحقيقي من توجيه «الدفة»(1 من 2)
بعد ثماني سنوات من الحرب الجائرة على سوريتنا كان من الطبيعي أن يتراجع دور المثقفين في الحياة العامة ..لكن رغم الحرب لم تتجمد النشاطات الثقافية …بل صارت الثقافة في الكثير من الاحيان فعل حياة يواجه ماكينة الموت واليوم يبدو المشهد جليا بضرورة اضطلاع المثقف الحقيقي لدوره الرائد في خلق جيل جديد قادر على مواكبة التحديات من هنا طرحنا سؤالنا (ما هي طروحاتك لتطوير الحياة الثقافية) على مجموعة من المثقفين الحمامصة الذين لم يتوقفوا عن الانتاج طيلة فترة الحرب مؤمنين أن الرصاصة تقتل فردا بينما تقتل الكلمة جيلا إذا ما استخدمت في غير مكانها :
الفنّ يشتغل لاحقاً
الشاعر محمود نقشو بين أن الواقع الثقافيّ في حمص وفي سورية عموماً خطا خطوات جيّدة إلى الأمام خلال العامين المنصرمين – بالقياس طبعاً لما كان عليه في سنوات الحرب الأولى . وللنهوض أكثر أرى أنّ المشاركة الحقيقيّة من قبل الجميع مؤسّسات وأفراد ضروريّة ومستوجبة لتعود العجلة للسير ، ليس من حيث توقّفت ، بل برؤية جديدة لأنفسنا وللعالم المحيط بنا ، مستفيدين بهذا من دروس الحرب القاسية .
وعن تراجع المثقفين للوراء في الحرب له ما يبرّره ، فالفنّ يشتغل لاحقاً بعد الحدث ، خاصّة وأنّ الصورة كانت بليغة للغاية في تناولها اللحظيّ في تسجيل الوقائع عبر وسائل الإعلام .. في حين يعتمل ذلك في روح وعقل المثقّف حتّى تأتي ساعته (في إطاره الإخراجيّ طبعاً) ، إذ أنّ الانفعالات لا تترك الكثير من الخيارات أمام المبدع والمتلقّي على السواء لبلورة المشهد أمامه ، وهذا ما حصل .
وعن مقترحات التطويرقال: تتمثّل في وضع الرجل المناسب في مكانه المناسب ، ودفع الشباب قدماً نحو إعادة الثقة لهم بالثوابت والانتماء إليها ، كي ننهض من جديد.
أمّا الصعوبات أمام ذلك فهو ذلك الوقت اللازم والمستوجب لإعادة بناء الإنسان على الأسس الخيّرة السامية والنبيلة .. هناك وقت للبناء أطول من وقت الهدم – كما تقول الفيزياء ويقول المنطق – .و يمكن للمثقف القيام بدوره الرياديّ بإيمانه الدائم بعظمة دوره في مجتمعه ، ذلك الدور المتمثّل في بثّ الأفكار العظيمة والأمل المشروع في النظر إلى الأمام بعيون المتدبّر المستكشف والمستشرف الأفضل .
الحرب لا تفرز إلا الخراب
القاص صفوان حنوف قال : لا أرى أن مشكلة الواقع الثقافي في حمص تكمن في المؤسسة الثقافية ، بل بالإنسان الواعي الذي قل ارتياده إليها ، وأقترح العمل بكل طاقة ممكنة على دعوته لارتيادها .
لا تفرز الحرب إلا الخراب والدمار ، وبالتالي التقليل من الشأن الثقافي في المجتمع ، وهذا بدوره يؤدي إلى تراجع المثقفين للوراء ، مما يشكل أكبر الصعوبات التي يمكن حلها بتفاعل المثقفين والحوار البناء الهادف. .
تراجع دور المثقفين
الشاعرة عفاف الخليل ترى أن ظهور جيل جديد من محبي المنابر والفيسبوكيين الذين يريدون التقدم خطوة أخرى بعد خطوة التهليل التي وجدوها على صفحات التواصل الاجتماعي مما أضاع الغث مع السمين
وقد تراجع المثقفون لانهم خجلوا من ضحالة المشهد فعندما يقدم لممثل كبير عمل سيء او غير جدير بمدركاته او طموحه ..بالطبع سيفضل الرفض وعندما يُدعى شاعر لمنبر شعري مع اشخاص اطلقوا على انفسهم شعراء ..جزافا .. بالطبع لن يجازف ويجعل هؤلاء رفقاء له في الوجود الثقافي ..
وهنا احب ان انوه انني لست ضد اي شخص يشعر انه يمتلك زمام فكر او فن ما لانني اؤمن ان كل انسان فنان وفيلسوف وشاعر ولكن ما شعرت به ان هذا المثقف الصاعد يصبح همه جمع التبرعات ..اقصد الاعجابات على مواقع التواصل وليس همه البحث والقراءة والمعرفة لتطوير ادواته.
ومن هنا لفتتني بعض النشاطات الثقافية التي اتابعها ولكنها فردية وخجولة بسبب عدم الدعم .. مثل نوادي القراءة ومناقشة الكتب الادبية …هذه ظاهرة مميزة .. وهي ظاهرة عالمية أتمنى تشجيعها وفتح المجال لها كي تنمو لاننا بحاجة لقراءة اولا وعندما نمتلك ناصية المعرفة نستطيع ان نعرف ما نريد ومن هو الحقيقي من غير الحقيقي ان نوادي القراءة هي فكرة حضارية ..والاوربيون يقيمون هذه النوادي بشكل مستمر والمسابقات على قراءة رواية مميزة ونقاشها ومقابلة كاتبها .
التنسيق مطلوب
خديجة بدور تحدثت عن تراجع المثقف عن القيام بدوره ، فتراه جالسًا في زاويته، يندب حظه …لكن البعض المتفائل يريد أن يثبت العكس، يظهر على شاشة التلفزيون، ويفعل المستحيل ليحتل الشاشة كخبير في شؤون قضية أو ملف، أو كمحاور ، أما بعضهم الآخر فلكي يستمر عليه أن يغير طبائعه الثقافية، ويتحول إلى إعلامي أي (صحافي بالصور) ، وأرى أنه من الضروري تقديم الدعم المادي للهيئات الثقافية ,إضافة إلى ضرورة تنسيق الفعاليات الثقافية في المحافظة من خلال إنشاء مجلس ثقافي برئاسة مدير الثقافة وعضوية رؤساء الهيئات الثقافية بغرض تعزيز التشاركية والتنسيق ما بين المديرية والفعاليات الأخرى و ضرورة إعادة النظر بالتشريعات والقوانين الناظمة للعمل الثقافي، وفتح المجال للعمل على مشاريع ربحية تساعد على تنفيذ وتطوير البرامج.
الحرب الفكرية أشرس
بسام شعبان : الثقافة هي هوية المجتمع بكل ابعاده و على كافة المستويات بدءا من السير في الشارع و انتهاءً بالنظريات الايدلوجية التي يتبناها المجتمع. و لا يجوز البتة ان تتحول الثقافة إلى حالة مخملية او خطابة منابر و تصفيق…لأنها البعد العميق الذي يدرس حالة المجتمع و كيفية تطويره….و بالرغم من انتصارنا عسكريا فما زال هناك حرب أقسى و أشرس علينا ان نخوضها هي الحرب الفكرية. و ما لمسناه في حمص خلال هذه الحرب الغاشمة يوحي بأن المثقف الحقيقي كان شبه غائب..و الهوة بين المثقف و الشارع شبه معدومة…مما أدى إلى تفشي ثقافات الأنا الضيقة ..لأسباب يطول شرحها و لكن في مقدمتها تفشي البيروقراطية و المحسوبية.. و شبه غياب لنهج ثقافي فكري مجتمعي يحاكي الواقع و يرسم خطاه للمستقبل و اليوم و بعد سنوات هذه الحرب علينا القيام بمراجعة فكرية دقيقة لمقدمات هذه الحرب و بدء العمل على نهج فكري متكامل يأخذ بعين الاعتبار ان المجتمع هو مرآة المثقف و يكون هذا بإعادة دراسة الكادر الذي يدير سدة الثقافة وتبني برنامج ثقافي واضح المعالم تقوم على تنفيذه كل الهيئات أو المؤسسات المعنية والعمل على الانتقال بالثقافة إلى حالة التشاركية بين ملف المؤسسات و القطاعات وتبني فلسفة المنبر الجوال لبناء جسور التواصل بين الأفراد و الثقافة.. و المثقف والعمل بمنطق التقاط الثقافية في الجوائز و متابعة عملها بشكل فعال والعمل على برنامج فكري وطني متكامل يتصدى للرؤى التكفيرية و الدينية المتطرفة بجرأة و حزم .
في النهاية ..نقدنا لهذه الحرب فكري بامتياز و علينا ان نتصدى لنتائجها بمنطق فكري هادف و عاقل و بناء.. و لنتذكر أن وزارة الثقافة هي وزارة دفاع في وقت السلم.. و ان الانسان نتاج فكره ..فلنعمل على هذا كي نحافظ على النصر العسكري الذي حققه جيشنا..
ميمونة العلي – سلوى الديب