الأنهار ، كما يقولون عنها ، شرايين الحياة . تحمل الماء الذي هو رمز الحياة للناس . وهكذا كان لها حضورها في الفن والأدب والأسطورة ..!!
ثمة أنهار كثيرة عندنا في سورية : بردى ، الخابور ، الفرات ..والعاصي وغيرها .
عن العاصي ، يطيب الحديث ، لأننا فتحنا أعيننا عليه .. فهو من منبعه في هضبة الهرمل في لبنان وحتى مصبه في خليج اسكندرونة على المتوسط ، يسقي السهول والأراضي التي يمر بها، واللافت أن الخرائط السياحية الخاصة بسورية ، تركز على العاصي، وهذا أمر بديهي ..!! فالسياح الأجانب يسألون دائماً عن ( الأورونيتز) وتعني ( العاصي ) …
مايميز العاصي ، وهذا ما أعطاه اسمه ، أنه يتجه عكس الأنهار فهو يأتي من الغرب إلى الشرق ثم يتجه إلى الشمال الشرقي فالشمال قبل أن يتجه غرباً الى مصبه . بينما جميع الأنهار في المنطقة تكون عكس هذا الاتجاه . فكلمة ( العاصي ) تعني التمرد والعصيان .
يرسم العاصي لوحة خالدة فتزدهي الأرض به ، ويحتفي به الناس .
فالعاصي : المجرى والضفتان والأرض التي يعانقها ..كلها تصنع قصة مثيرة . فالحمامصة اعتادوا أن يبتهجوا عندما يفيض العاصي ، مهما سبب ذلك من خسائر .. يحبونه حتى لو أخذت مياهه بعض أبنائهم الذين يتعلمون السباحة فيه ..!!
وحتى في الدعابة الحمصية والحموية – أيضاً – كان للعاصي حضور .. فثمة دعابة تقول إن امرأة حموية فقدت ابنها في العاصي … وجاءت لتبحث عنه في مياهه قرب حمص .. وعندما قالت لها النسوة الحمصيات إن عليها أن تبحث عن جثة ابنها في عاصي حماة أجابت المرأة ( إن ابني مشاكس جداً وعنيد ، ويفعل عكس المتوقع وعكس الصبية الآخرين .. وربما جاءت جثته إلى هنا ..!!)
ثمة حياة فيها روح وجمال وتألق وصخب يحملها العاصي أينما يمر ، من جوسيه التي يخوض أولادها وبناتها مياه العاصي .. إلى ربلة الجميلة وبساتينها ،حيث يزهر المشمش والخوخ وتتحول إلى ثمار لذيذة ..إلى قطينة وبحيرتها الواسعة المدهشة والمنتزهات على ضفافها .. والشهيرة بأسماكها .. ومراكب صيدها .. إلى حمص ينساب العاصي وتروى عنه حكايات وحكايات منذ آلاف السنين . تتحول الأرض إلى بساتين فيها أشجار الصفصاف والزيزفون والقصب والرمان .. تصفق أغصانها ترحب بالموج المتدفق للعاصي .. الذي تربطها به قصة عشق خالدة .
ويصل العاصي وادي الرستن .. حيث السد المسمى بسد الرستن والشهير بالسمك الناصري –نسبة إلى الرئيس الراحل جمال عبد الناصر ، الذي جاء به من مصر أيام الوحدة السورية – المصرية .
شعراء كثيرون فتنوا بجمال العاصي وأمواجه وصخبه ..وعبروا بقصائدهم عن الدهشة والمحبة لهذا النهر، الشاعر الشهيد عزة الجندي يقول :
سلام أيها العاصي الأغر
جمالك ياحبيب القلب سحر
جرى سلسالك الصافي لجيناً
وسال من السماء عليك تبر
ويسمي الشاعر الدكتور أحمد أسعد الحارة العاصي بـ ( جلالة العاصي ) وله ديوان باسم ( صدى الميماس ) . والميماس هو المنتزه على جانبي العاصي عندما يمر بمحاذاة حمص .. فيقول :
ياشاعر العاصي تطوف مغرداً
فيه .. أصرت اليوم طيفاً مغرداً
لجلالة العاصي تحف به رؤى
يعرى لها العاصي المطيع فترتدي
هو العاصي سيد الأنهار صاحب الجلالة .. الشاهد على حضارات كانت وتكون اللحن المغرد مدى الزمان ..يحبنا ونحبه ، يعطينا الحياة وتعطيه الحب والشعر ..!!
عيسى اسماعيل