فتحت نافذة غرفتها لتسمح للنسمات الباردة بالدخول دون استئذان وهي تراقب الغيوم الرمادية التي تزنر السماء معلنة هطول الودق . تمنت للحظة أن تطول فترة وقوفها أمام النافذة وهي تستنشق الهواء النقي وكأنها تنتظر منه أن يخلصها مافي قلبها من أحزان
التفتت لزوجها المتمدد في سريره وتمحصت ملامحه القاسية ثم نظرت إلى التقويم المعلّق على الحائط ! نظرت طويلا وابتسمت , إنه يوم الرابع عشر من شهر شباط !
أكسبتها ابتسامتها الحزينة جرعة من النسيان لما جرى ليلة البارحة فهي لاتريد أن تفسد هذا اليوم , وراحت عيناها تجوبان الغرفة لتصطدم بأشيائه : زجاجات العطر جل الشعر و مزيل التعرق , مشط شعره , بجامة نومه الحريرية …كل هذه الأشياء هي من ابتاعتها له وغيرها من الأغراض الشخصية الخاصة به .
فهمست في سرها : ماعندي شيء واحد ابتاعه لي ! تمنيت يوماً أن يهديني أي شيء… لا لا … لاأريد شيئاً ولكني تمنيت أن يقول لي يوماً أحبك وسط هذه الفوضى اليومية والأعباء التي لاتنتهي !
واتجهت نحو المطبخ لإعداد القهوة ..فشعرت بخطواته وهو يتجه نحو الحمام …
سكبت القهوة في فنجانين أبيضين وجلست وراء الطاولة فأتى وهو يعقد ربطة عنقه مستعجلاً : صباح الخير
ابتسمت و ردّت : صباح النور
ارتشف رشفة من الفنجان شعرت على إثرها بانقباض في قلبها
وحاولت أن ترسم ابتسامة أكبر من سابقتها وهي تقول : كل عام وأنت بألف خير.
فنظر إليها مستغربا : ماالمناسبة ؟!
اليوم عيد الحب!
لكنه لم يعرها أي اهتمام بل قام من مكانه وقال : سأتأخر اليوم في العودة للمنزل .وضع فنجانه بعد أن ارتشف مافيه , ثم اتجه ليخرج من باب المطبخ وعيناها الدامعتان تلاحقه بحزن تاركاً جمرة قهر تستعر في داخلها .
عندما انتهت من أعمالها وواجباتها في المنزل اتجهت نحو المطبخ لإعداد قالب الكاتو المميز الذي تفخر في إعداده وتزيينه .
وضعت قالب الكاتو المغطى بالشوكولا وحبات الفريز , على طاولة البللور الأنيقة وإلى جانبه صحنان من البزورات المتنوعة وصحن كبير من الفواكه الطازجة وشمعتان مضيئتان نارهما تؤجج قلبها وهي تناظر الساعة بين الحين والآخر
ارتدت فستاناً أسوداً مزيناً بزركشات ناعمة تتخللها خيوط فضية ناعمة , و شعرها الأسود مرفوع أعلى رأسها , ولكن , عدوها الوحيد في تلك اللحظة كانت تلك الساعة ! فعقربها الصغير يمشي ببطء ! لقد أصبحت الساعة التاسعة ليلاً ولمّا يأتي بعد!
عندها استسلمت لتعبها وتراجعت برأسها المثقل بأسئلة لاتجد لها جواباً أغمضت عينيها لتنام نوماً عميقا كانت بحاجته لترتاح أعصابها وجسدها فهي لاتكل ولاتمل من العمل في هذا البيت في سبيل إسعاد من فيه .
وفجأة فتحت عيني على صوت فتح باب البيت ! لقد وصل أخيراً ومعه حقيبته الخاصة بالعمل وفي اليد الأخرى كيس أحمر أنيقَ المظهر فلمعت عيناها فرحاً وهي ترى الكيس الجميل : لابد أنها هديتي ! همست في سرها
فاقترب منها وهو يضع أغراضه على الطاولة يحاول فك ربطة عنقه : مساء الخير
فردت عليه بابتسامتها اللطيفة : أهلا مساء النور حبيبي , لقد تأخرتَ كثيراً
فقال وهو يدفع بالكيس الأحمر الأنيق للطاولة : هذا لك بمناسبة عيد الحب
التقفته بسرعة ثم قالت وهي تهم بفك شرطانه الكثيرة : منذ زمن بعيد لم تجلب لي هدية في هذه المناسبة , شكرا لك ! كم أنا سعيدة !
فتنهد تنهيدة طويلة وقال بتعب : كل تأخيري بسبب ذلك الغبي عمار
فرفعت رأسها إليه هي تفك شريط الهدية وسألته : لماذا ؟ ماالذي جعلكما تتأخران لهذا الوقت؟ ماذا فعل عمار ؟
أصر على أن أرافقه لمساعدته في انتقاء هدية لزوجته وعندما اشترى الهدية أصر أن أبتاع هدية لك في هذه المناسبة وأنه من المحال بمكان أن أعود إلى ىبيتي فارغ اليدين . كم هو غبي , لولاه لما كنت تأخرت .
في هذه اللحظة توقفت يداها عن إتمام عملية فك الشريط الملفوف بدقة متناهية
فنظر إليها مستغرباً وقال : مابك؟ تابعي وافتحي العلبة ألا تريدين أن تعرفي مااخترناه لك ؟!
لكنها تراجعت للخلف وسألت للتو من الطرف الكحيل مدامع وقالت : لا لا أريد فتحها
صرخ في مكانه : مابك ياامرأة ؟ لقد بقيت ساعتين متواصلتين في السوق مع ذاك الأبله لاختيار هذه الهدية فتفاجئيني بقولك أنه وصلك حقك ؟! أنت امرأة غير صالحة لا تقدّرين تعبي ! لاتشعرين بي ! كم أنا مذنب !
فقام والغضب يتطاير منه ليرتطم بطرف الطاولة ويطفىء الشمعتين وهو يلوح بيديه ويتفوه بكلمات غليظة .
ابتسمت وسط دموعها وهي ترقبه يدخل غرفة النوم ويغلق الباب بقوة رهيبة لتقوم بإشعال الشمعتين مرة ثانية وفتح التلفاز على أحد القنوات التي تبث الأفلام محاولة كالعادة نسيان ماجرى منذ هنيهة قائلة : يجب أن أُقنعَ نفسي أنه لم ولن يتغير, حقيقة أنا أشفق عليه لأنه لا يستطع الاستفادة من لحظات الفرح
عبير منون
المزيد...