تحية الصباح ..الحب الأول
أجزم أنّ الحب الأول لا يفارق الذاكرة ،مدى العمر , وهكذا فأنا قد أحببت ،بل وجدت نفسي عاشقاً ،وأنا لا أزال طفلاً ،دون أن أعرف لماذا وكيف يكون الحبّ…!!
كنت في الصف الثالث الابتدائي ،وكان بيننا في الصف فتاة أو ربما أكثر .وكنت أراها ملاكاً …وكانت متفوقة تنافسني على المركز الأول في الصف ، فتارة تفوز به وطوراً أنا أكون الفائز, وهذا التنافس زاد من ولهي بها ،ولم يدر أحد بما يجول في نفسي .
وكانت بنظري -ملكة جمال – لا ينقصها إلاّ التاج الذي تضعه على رأسها …وفي تلك الأيام ،لم أكن أعرف شيئاً عن قواعد العشق الأربعين ،ولا عن شيء من هذا ،ولا أعرف إنّ كان الحب يؤدي أو لا يؤدي إلى زواج …المهم أن نلعب معاً ونقرأ معاً وننشد قصيدة “كلبي “في كتاب القراءة بصوت قوي :
/كلبي كلبي ..يمشي جنبي
لا ينساني بل يلقاني
عو عو عو عو عو عو
ففي تلك الفترة –أواسط الستينيات من القرن الماضي ،لم يكن الشاعر الكبير سليمان العيسى ،قد نشر ديوانه المخصص للأطفال والمسمى /ديوان الأطفال /وهو ربما أول ديوان شعري خاص بالأطفال في الوطن العربي /.
كنت أنتظرها عند باب منزلها ونمضي سوية إلى المدرسة شمالي القرية ،وننشد القصيدة التي سوف يسمّعها المعلم بعنوان /حديقتي /:
/حديقتي المسوّرة
أشجارها منوّرة ..الخ /
وجاء يوم أسود ،من أيام طفولتي ،فقد أخبرتني أنها سوف “ترحل “مع أهلها إلى الشام –دمشق –لأن أباها متطوع في الجيش ،وسوف يصطحب الأسرة معه ،سيما أن الجيش أعطاه منزلاً ليقيم فيه في (مساكن قطنا )…وكان الخبر صادماً ..ووجدت نفسي ،ببراءة الطفولة أمضي إلى منزلها ..وأدخل على استحياء ..ولفت ما كنت عليه نظر أمها فنادتني ..(ادخل ..لا تخجل …أنت رفيق …في الصف …أليس كذلك …هكذا أخبرتني أمك ..تعال يجب أن تأكل معنا ..وجاءت بطبق قش كبير ..فيه صحون عدة وجلست هي ورفيقتي وولداها الآخران ..وأجبرتني على تناول الغداء معهم …!!
ولعل الخالة ../أمها /قرأت ملامح الحزن على وجهي فسألتني (سوف تزعل كثيراً على فراق مها أليس كذلك ؟!)
قلت (أي والله …كثيراً …!!)
ولكنها طيبت خاطري وقالت سنأتي لنمضي الصيف هنا ..فتلعبان معاً …!!
وكانت تلك آخر مرّة أرى فيها مها ،فقد أخذت الأيام كلاً منا بعيداً ..وسمعت أنها تزوجت وأقامت في دمشق ..وأنّها لم تكمل الدراسة …ثم استقرت مع زوجها وأبنائها في مدينة بعيدة ..لكنها تركت في نفسي ذكرى من ذكريات الطفولة والبراءة ….!!.
عيسى إسماعيل