نقطة على السطر … صورتان لوجه واحد ..

في لحظة ما تمددت ذاكرتي و تشعبت ذاكرة منسوجة من ماض ليس ببعيد لصورة أمي و من حاضر  قريب لوجه خالتي ، تلاشت الصورة القديمة بوفاة أمي و تجسدت في وجه خالتي الذي أخذته اليوم مسحة من حزن جليل بوفاة ابنتها ..

نشأت بيني وبينها صحبة عميقة بعيداً عن صلة القربى أحسست بأمومتها التي افتقدتها و كنت كالأرض العطشى للأمومة فوجدتها في خالتي والتي كانت بالنسبة لي كالمياه العذبة أرتوي  أمومة من حنانها و التي تحمل نفس العادات بأسلوب واحد  وطبع مميز تبدوان متشابهتين لدرجة الالتصاق نظرة عينيهما صوت دعائهما امتلاكهما الصبر في الملمات ، و دندناتهما المتشابهة بأغان حزينة من قلب التراث و هن يعددن طعام يومهن فمع صعوبة استقبال الضيف في أيامنا هذه و خاصة في فصل الشتاء كن يتمنين لو يطرق أحد ما أبواب منزلهن اللتان لا يقبلن اعتذارا من الضيف عن تناول الطعام مع ابتسامة مضيئة تزين و جهيهما كل ذلك حمل في قلبي مكانة عالية نعمة أحمد الله عليها و أدعو لها في السر و العلن أن يحفظها لي  ولأولادها إذ تحاول اليوم بعد فقدانها لفلذة كبدها أن تتغلب على مصابها الأليم بابتسامة هادئة و حديث عذب فاللهم زد خالتي صبراً و رضا بالمقدور كما ألهمت أمي في الماضي الصبر على فقدان ولدها و الذي جاء ملتفاً بالعلم العربي السوري شهيدا ً و التي ما زلت أراها كما كل أمهات الشهداء  شامخة معتزة بشرف الشهادة تتمايل في مخيلتي و التي بدت صورتها ناصعة تتحرض في وجه خالتي اليوم و الذي زادني حزنها خشوعاً خاصة و نحن في طريقنا إلى المقبرة التي تتربع فوق قمة رابية في طبيعة نقية صافية حيث رافقتها كما أمي مع بزوغ أول شعاع للشمس هبت معه نسمات باردة تغلغلت في الظهور و نحن نزرع الريحان و الورد على قبور أحبابنا ، نشعل البخور و نردد بعض  الأدعية .. الذكريات و الصور تكر وراء بعضها لأخذ طرف الخيط استذكر صوراً لأمي و خالتي اللتين هما قطعاً من الجنة التي ترقد تحت أقدامهن إنهن نساء عاديات إنهن أجمل و أحن و أطهر الأمهات .

فكل عام و أمهات الوطن بألف خير  

عفاف حلاس

المزيد...
آخر الأخبار