في السابع عشر من نيسان ومنذ ستة وسبعين عاماً نستعيد الملحمة الذكرى ، ونقف إجلالاً وإكباراً للذين كتبوا بدمائهم تلك الملحمة, فجلاء آخر جندي فرنسي عن أرض سورية الأبية في السابع عشر من نيسان عام ستة وأربعين وتسعمائة وألف يمثل فجر الحرية.
لقد طردنا الفرنسيين الذين احتلوا بلدنا ولكنهم طيلة ستة وعشرين عاماً من احتلالهم البغيض كانوا في خوف ورعب لم يفارقهم فهم كما قال أحد ضباطهم في مذكراته / كان المقاومون السوريون يخرجون من بين الصخور والأدغال ويرشقوننا برصاص بنادقهم القديمة يكمنون لنا في الشوارع الضيقة والحارات القديمة .. ولا نعرف من أين يأتون … كنا مستعمرين بنظرهم, منهم يقول: إن ” الانتداب ” ليس سوى ” استعماراً ” بل أبشع أنواع الاستعمار ..!!.
بقلبٍ واحد ، وهدف واحد تصدى السوريون للمحتل الفرنسي فاندلعت الثورات في القرى والمدن ، وأذاقت القوات الفرنسية المحتلة الهزائم وقتلت وأصابت الكثير منهم .
قدّم السوريون شهداء كثر ، وتعرضوا للتعذيب والسجن وحرق ممتلكاتهم .. لكنهم صمدوا فكانوا كالعين التي تقاوم المخرز وتنتصر عليه !!.
استرخص السوريون الموت في سبيل عزّة ومنعة كل ذرة تراب من أرض وطنهم ، وأعطوا الأجيال اللاحقة دروساً في البسالة والتضحية لنيل الحرية .
ست وعشرون سنة لم تهدأ فيها الثورات ، ولا جفّ فيها الدم الزكي . وتتالت الانتفاضات والإغارة على قوات الفرنسيين وثكناتهم في كل أرجاء سورية .. فكان الانتصار العظيم ..و إجبار الفرنسيين على الجلاء عن سورية مهزومين مدحورين .
كان الفرنسيون يظنون أن احتلال سورية أمر سهل لكنهم فوجئوا بيوسف العظمة على رأس جيش قليل العدد والعدّة ، يواجههم في معركة ميسلون ، وظلت كلمات العظمة تتردد على ألسنة الأجيال وهو يغادر جلسة الحكومة رافضاً قبول إنذار غورو مخاطباً الملك فيصل الأول وحكومته :
/ أنا يوسف العظمة وزير الحربية .. سأذهب لملاقاة الغزاة الفرنسيين .. أعرف أنني سأموت لكن هذا أهون بكثير من أن تقول الأجيال إن الفرنسيين دخلوا الشام دون مقاومة .. أوصيكم بأمر واحد .. أن تهتموا بابنتي الوحيدة ..ليلى /.
في الذكرى السادسة والسبعين للجلاء ، ثمة دروس بالغة الأهمية منها أن وحدة السوريين هي العامل الأهم في الانتصار على الأعداء وترسيخ عظمة التضحيات .
دروس الكفاح والبطولة في ميادين الشرف تجعل السوريين أكثر قوة وتصميماً على مواجهة المؤامرة الإرهابية الكونية لتطهير سورية من رجس الإرهاب المجرم وتحقيق الانتصار الكامل لإنجاز جلاء جديد يتطلع إليه السوريون .
إن أحفاد يوسف العظمة وسلطان الأطرش وإبراهيم هنانو والشيخ صالح العلي وحسن الخراط وأحمد مريود وغيرهم ، يبذلون دماءهم في سبيل صون استقلال الشعب العربي السوري وترابه المقدّس .
النصر المؤزر بتطهير تراب سورية من آخر إرهابي يلوح في الأفق … وسورية قيادة وجيشاً وشعباً منتصرة لا محالة.
عيسى إسماعيل