لا ريب، أنّ «أدب الأطفال»، اليوم، له تأثيرٌ باصِمٌ بِتربية الطفل، بِتشكيل شخصيته وهندستها؛ فهذا الشّكل من الأدب، هو الباعث على خلق الاتجاهات الحميدة بنفوس الأطفال، وأفئدتهم المُنَمنَمة..
والكتاب الجيّد، «ونعني به هنا القصة»، يثير اهتمام الأطفال، يبعث فيهم النشاط، لمعرفة أشياء أخرى.. لهذا يشيد «أدب الأطفال» بِدَور الأمّ التي تلازم طفلها منذ بداية نشأته، فهي المربّي الأوّل له، وهي التي تقدّمه للمدرسة والمجتمع والوطن فرْداً صالحاً، منْ خلال تربيتها، ومنْ خلال القصص، التي تعتبر الوسيلة الفعّالة بالتربية والتهذيب والسلوك الحَسَن؛ كذلك لا يمكن لكائنٍ بشريّ، أنْ يكوّن مِنْ فكرةٍ، قصة للطفل، ما لم يكن فنّاناً مُبدعاً، مهما كانت رَوْعة الفكرة التي يقدّمها، والأفكار يمكن أنْ يلتقطها هذا وذاك منْ خضمّ الحياة، بسهولة ويُسْر، لكن لا يمكن لكلِّ مَنْ هبَّ ودبَّ، أنْ يحوّلها إلى قصّة، تدغدغ أحاسيسَ الطفل، تلامسُ عقله، وفؤادَه الصغير.. ، يمكن أنْ تتحوّل الفكرة إلى قصّة رائعة، إذا ما تعهّدها عقلُ فنّانٍ وخياله، بينما يمكن أنْ تخفتَ، وأنْ تذويَ أعظمُ الأفكار، إذا لم يتعهّدْها مثل ذلك العقل، وهذا الخيال، لأنّ «الفكرة وحدَها لا تكفي بالقصّة»، إذ لا بدّ مِنْ عمليّات إبداعيّة خلّاقة، تنقلُ الطفل لأجواء القصّة وعوالمها، وتثيرُه، وتحرّكُ خياله، وتفعلُ فعلها فيه!
يقول الرّائد العربي المصري لأدب الأطفال «كامل كيلاني»:
«للطفولة أفئدة حَاكِيَة وضّاءة، كصحيفةِ السّماء، فحذارِ أنْ تخطوَ في تلك الأفئدة
ـ بل الصّحائف ـ إلّا بأقلامٍ لَبِقة بتصوير الملامح، فإنّ للطفولة قلوباً حسّاسَة حافظة، كأنّها ورقُ المصوّر الحسّاس»! هنا ينبغي القول: إنّ القصة هي الجنس الأدبي الألصق بالطفل، والأكثر رَوَاجاً وإقبالاً عليها، لخصائص بالطفل وبالقصة معاً؛ فالقصة كنمط كتابيّ قادرة على نقل المعرفة للأطفال، كما أنّها أقدرُ ألوان الأدب، على توليد الاتجاهات المَرْغوب فيها لديهم، وترسيخ القيم المعنويّة، باستثارة مشاركتهم العاطفيّة لنماذج من السلوك الإنسانيّ، التي تعمل على تقديمها، وللمواقف الإنسانيّة التي تصوّرها، وقد يرى البعض (أنّ الأدب بِحدّ ذاته صانعٌ للبهجةِ والمتعة، بل وصانعٌ للإنسان نفسه)، وليس مجرّد وسيلة، وهو مُؤثّر في الأطفال، سواء من خلال البيت، الذي لا بدّ وأنْ يتذوّق الطفلُ فيه طَعْمَ الأدب، جنباً لِجنب، مع الغذاء والحليب والهواء، وعلى المدرسة أنْ تستكملَ المسيرة بأدبٍ جيّدٍ ماتِعٍ، يثير شهيّة الأطفال لمواصلة الإقبال عليه، ولِغرسِ عادة القراءة بنفوسهم! وهناك شبهُ اتفاق، على أنّ «القصة هي الشّكل الأدبي المُفضّل للأطفال»، من هنا، فقد أصبحت مكانتها كبيرة بأدب الأطفال، لِما لها منْ تأثيرٍ باصمٍ فيهم، لهذا لا بدّ من التدقيق باختيارها، أو معرفة ما يلائم الأعمار المختلفة منها.
وليس عجبَاً، أنّ أكثر الأدباء والمفكّرين، قد تأثروا بالحكاية التي سمعوها بطفولتهم الأولى، «فالطفل يعيش القصّة بكلّ أحداثها، ويرحل ويجول مع رحلاتها، وتكون لديه الرّغبة الأكيدة، في المعرفة والتعرّف، ليوسّع دائرته، ويكتشف مَواطِن الصَواب والخطأ بالمجتمع، وما فيه من خيرٍ وشرّ، حتى يتقبّل الحياة كما هي، ويعيش أبعادها».. عليه، فإنَّ «كتابَ الطفل، يمكن أنْ يغيّرَ أدقَّ ما في العالم، بل يستطيع أنْ يغيّرَ العالمَ ذاته»، على حدّ قول أحدهم.
وينبغي معرفة، أنّ «أدب الأطفال» الجيّد، هو الذي يراعِي خصائص الطفولة واحتياجاتها، بإطارٍ من القيم والمُثُل والنماذج والانطباعات السليمة.. فأدب الأطفال الجيّد، يعرف كيف يصل لِتحقيق أهدافه النّبيلة بِمختلف النواحي الخلقيّة والروحيّة والاجتماعيّة والجماليّة وسِواها، وذلك بوسائل غير مباشرة، لكنها أكثر فعاليّة، أعمق أثراً بِنفوس الأطفال، وذلك عن طريق تقديم أنماط جديدة للسلوك والتصرّف من خلال شخصيّات أبطال القصص، التي يشعر الطفلُ نحوهم بالحبِّ والإعجاب.
عليه، فإنّ الكاتب الجيّد هو الذي يعيش بيئة الأطفال، يتعامل معهم من واقعهم ومستواهم الذّهني، وليس ذاك الذي يكتبُ منْ بُرْجٍ عاجِيٍّ.
ويرى بعضهم، أنّ أفضل ما يقدَّم للأطفال من القصص، قصصٌ تنطوي أحداثها على حقائق تستحقّ أنْ تخلّدَ الحياة الشعورية الداخلية للإنسان، التي لا تُحيي في الأطفال العواطف الحَمْقاء، أو الشّعور الواهِي الضعيف، بل تكوّن فيهم دقة الشعور، ورقّة الإحساس.
إنّ المطلوب من كتّاب «أدب الأطفال» ، أن يكتبوا بأسلوبٍ جميلٍ سَلسٍ، يدعو الأطفال للتشبّث بعادة القراءة الحميدة، لتتسعَ آفاقُ الخيال لديهم، وتنمو عندهم المقدرة على تذوّق الجمال، ومعرفة الحقّ والقيم الفاضلة، التي تزدان بها الحياة. ينبغي أن نعلم، أنّ قصص الأطفال من أكثر القصص اعتماداً على «الخيال»، وكم من قصة خياليّة ظلّت بأذهان الأطفال مؤثّرة فاعلة، لسنواتٍ وسنوات، وكم من أبطال خياليين، حازوا إعجابَ الأطفال بعيداً عن النّسج، الذي يؤلّف بين أجزاء الحقيقة! إنّ القصة كما تقول«ذكاء الحرّ»، بكتابها الشّائق «الطفل العربي وثقافة المجتمع»: «هي قناة منْ بين أقنية عدّة، تنقل أوْ توصل لِذهن الطفل مفاهيمَ ومضامين وأفكاراً متنوّعة ومتعدّدة، تنخرط أو تتدامجُ مع ما تنقله القنواتُ الثقافيّة الأخرى، لتشكّلَ معاً بالنهاية عالم الطفل الثقافي ـ الفكري »…
الزّبدة،، إذا كان الخيّال «هو عماد القصّة وجوهرها»، فإنّ الصّدق، ينبغي أنْ يكون رائد هذا الخيّال الخلّاق، أمّا الكذب على الحياة والأحياء، فإنّه يصطدم بواقع الحياة بقوانينها الثابتة، وتجاربها العمليّة، حينئذٍ يذهب أثرُ القصّة بالنفس، ولا يكون لها في السلوك الإنسانيّ أيُّ صدى!
وجيه حسن
المزيد...