ثمة مقولة ، أضحت مثلاً انكليزياً ، تقول « الأدباء تنقصهم السعادة في بيوتهم » .. و لا يبدو هذا المثل صحيحاً مئة بالمئة ، ولو أنه يقول نصف الحقيقة ، ويتجاهل نصفها الآخر .
فثمة غيرة وعدم رضا لدى بعض زوجات الأدباء والسبب انشغال الأديب عن زوجته وحتى أولاده ، ليعيش مع الكتاب والكتابة ، منعزلاً في غرفته , ولعل الخلاف الأهم في هذا المجال يكون حول مواظبة الزوج الأديب على شراء الكتب والاهتمام بالمكتبة وقد نقلت كتب التاريخ لنا أن احد الكتاب كانت تلومه زوجته باستمرار وتعلن ضيقها وتبرمها وامتعاضها من أكوام الكتب المنتشرة في زوايا المنزل ، وتعاتبه بالقول « مالك وشراء الكتب .. اشتر طعاماً فاخراً لي ولأولادك ..»
وكان الأديب يرد ، كل مرة ، ببيتين من الشعر هما :
وقائلة أتلفت في الكتب ماحوت
يمينك من مال فقلت دعيني
لعلي أرى منها كتاباً يدلني
لأخذ كتابي في غد بيميني
أما أبو القاسم الزمخشري ، عالم العربية الشهير ، فيعلن بوضوح وصراحة أن القراءة والبحث في الكتب أهم من التعلق بالمرأة ، فتقوم عليه قيامة النساء.
غير أن الجزء الثاني للمشهد ، غير ما رأينا تماماً . فثمة زوجات يشاركن أزواجهن الأدباء متعة المطالعة وجمال الحروف وبهجة المعرفة , فالشاعرة الراحلة سنية صالح ، زوجة الشاعر الكبير الراحل محمد الماغوط اعتادت أن تبحث لزوجها عما يريد من كتب وتأتي بها له .. تفعل هذا بسرور ومتعة وهي شاعرة مثله وشريكة أفكاره .
والمثل الأشهر في تضحية المرأة زوجة الأديب يتجلى بما كانت عليه سوزان طه حسين ، زوجة عميد الأدب العربي طه حسين ، وهي فتاة فرنسية أحبت طه الذي كان يدرس في باريس وتزوجته ورافقته حتى وفاته وكتبت عنه كتاباً جميلاً بعنوان ( أنت وأنا ) أما ( آن هايتواي) زوجة الأديب الانكليزي وليم شكسبير (1564-1616) فكانت تكبره بثماني سنوات .. أحبته حباً جماً وكانت تسهر الليل تساعده في نسخ ما يكتب من شعر ومسرحيات وقد خلدها بعدة قصائد .
وأذكر أنني قرأت في إحدى المجلات أن زوجة الشاعر المصري أحمد عبد المعطي حجازي كانت تحفظ بعض قصائده عن ظهر قلب وهذا يظهر حبها له وولعها بما يكتب ،وكان والدها قد نصحها ألا تتزوج شاعراً وإذا أصرت على الزواج منه – أي حجازي ، فعليها أن تكون سنداً له لاعبئاً عليه . وهكذا فعلت فقد كانت سعيدة معه ومتفانية لتؤمن له الجو المناسب ليكتب أو ليستقبل أصدقاءه الكثر .
ولعلنا نعود إلى سنوات قليلة ونتذكر المسرحي الراحل سعد الله ونوس الذي اعتاد الكتابة والقراءة أغلب الوقت
وقد ذكر لي المرحوم الشاعر الجواهري أن زوجته ( أم الفرات ) وهي قريبته كانت خير معين له وكانت ( مطيعة ) له .. وعندما سألته ماذا يقصد بكلمة « مطيعة » أجابني انه يقصد الوجه الايجابي أي مضحية ومحبة عن طيب خاطر .. وقال: إن الله قد استجاب لدعائه عندما كان يبحث عن زوجة في شبابه فكان يدعو الله أن يرزقه ( داراً وسيعة وفرساً سريعة وامرأة مطيعة …)…!!
عيسى اسماعيل