رغم أن الأزمة بكوارثها وأهوالها حلّت على الجميع إلا أن المعاناة والأوجاع تباينت واختلف ثقل حملها من شخص إلى أخر تبعاً لفروقات معيشية وسلوكية ووجدانية وأخلاقية ، ما يضع العقل في الكف ويجعلك عاجزاً عن تبرير الشرخ الكبير بين غني وفقير، بين عزيز قوم ذل وبين متدثر بجلباب الأزمة وتحت غطائها يسرق وينهب ويجني ثماراً لا ناقة له فيها ولا جمل سوى التلطّي وراء شعارات زائفة لا يفقه من ترديدها سوى نيل المغانم الشخصية ومكاسب تغدق عليه سراً وعلانية من أشخاص اعتباريين مقابل جهوده وصولاته وجولاته التي يكتب لها النجاح والاستمرار لسنوات مترافقة مع شهادات حسن سلوك وثناءات ليكتمل معها “النقل بالزعرور”..
أبسط مثال هو الإعانات التي هي حالة إسعافية لإنقاذ الكثير من العائلات الفقيرة والمهجرة وذوي شهداء فقدوا معيلهم ، وبعض هذه الإعانات تتعرض للسرقة جهاراً نهاراً، كيف ..؟! الجواب عند أقطاب الرقابة والتخطيط والمتابعة والتنفيذ التي تديرها من ألفها إلى يائها ، مجموعة لجان تابعة لعدة جهات تمتاز (يفترض) بأمانتها ومسؤوليتها وحرصها وحركتها الدائبة لوصول الإعانة إلى مستحقيها (كما يفترض) لكن للأسف .. والواقع يتحدث وعلى فترات متتالية عن مصادرة أطنان من الإعانات محفوظة ضمن مستودعات غزا بعضها الحشرات وتباع على دفعات إلى مجموعة بقاليات… هذه الأطنان هي من حق الأسر المعوزة الفقيرة، ولم تحملها العصافير حبة حبة لتلقي بها في تلك الدهاليز المعتمة ولا يمكن لشخص واحد تخزين تلك الكميات بدون مؤازرة ومباركة أشخاص لهم يد طولى في السرقات ومعرفة من أين تؤكل الكتف …. وترميم التقصير غالباً ما يتم بمداهمات وهمية لبقاليات صغيرة أو بسطات تسترزق من مواد الإعانة التي تبيعها إياها بعض العائلات وهي كميات صغيرة ولا تشكل قطرة من بحر ما ذكر … فأية أيادٍ وضعت بها الأمانة ومن يدير ويخطط ويعمل لإيصال المعونة إلى مستحقيها …. الواقع قاس ٍ، والخلل كبير ولا يمكن تجاهل الواقع والعوز المادي الذي تعيشه أسر فقيرة كثيرة معظمها ذوو شهداء وجرحى ،.. ومؤازرة هؤلاء بالعواطف والشعارات فقط لا يسمن ولا يغني عن جوع مع أن التضحيات كثيرة ولا تقاس بثمن أو عطايا مادية .
لكن جدير أن توازى القيم النبيلة والمبادىء السامية التي أعلت شأننا وتركت بصمة على جبين الوطن بردّ الوفاء بالوفاء وأن ننير بعض الشموع في دروب أبنائها وجميل أن توضع الأمانة عند ذوي الضمائر الحية وأن نؤسس لأحلام قابلة للتحقق والتنفيذ في مستقبل قريب وليس بعد عشرات السنين ..
حلم شدود