الهاشم : ما قدم من نتاجات شعرية لم يرتق لمستوى التضحيات… و الخروج على « عمود الشعر»ليس معيباً

وأنت ترهف السمع لصوت الشاعر إبراهيم الهاشم تأسرك القوة والرقة المجتمعتان دون تنافر في أدائه ويدهشك ابتكاره للصور البكر التي لم تطأها مخيلة شاعر سواه إنه الشاعر إبراهيم الهاشم من مواليد 1951 مدير منتدى حمص الأدبي , عضو مؤسس في جمعية الوعي العربي بحلب و عضو نادي التمثيل الأدبي في حلب له ثلاثة دواوين مطبوعة الأول بعنوان: «حقول الغمام» والثاني بعنوان « مطر على رمال الأيام » والديوان الثالث بريق على شرفة الليل وكانت لنا هذه المحطة مع الشاعر:
موضوعات الغزل تطغى على معظم نتاجك الشعري فما هو السر؟
لقد تناولت في شعري قضايا أخرى مهمة , منها قضايا الوطن و ما يجري عليه من محن ، و أيضاً كتبت في الشأن الاجتماعي و الوجداني ، و الغزل لم يطغ على كتاباتي ، و إنما أخذ منها الحيز و المكان اللائق به . لأن الشعر الغزلي من حيث جوهره يلامس الأحاسيس و المشاعر التي عاشها و يعيشها كل إنسان .. فالشعر الغزلي هو شعر الحياة . و هو تأكيد هام على التمسك بهذه الحياة . فالغزل لا يخاطب شريحة واحدة من المجتمع .. إنه كالموسيقا لغة مشتركة للرجل و المرأة ..إنه اللغة التي تتقنها مشاعر كل مجتمع بغض النظر عن درجة الإفصاح و البوح و قد تحد من تفاعل هذه اللغة أعراف المجتمع و تقاليده.
لكنها لا تستطيع أن تلغيها أو تحيدها إلّا قسراً و لذلك أستطيع القول: إنني في كتاباتي لشعر الغزل إنما أنا أكتب بثقافة الحياة أزرع البسمة في مشاتل الروح و أغرس الفرحة في تربة الوجدان.
في مجموعتك الشعرية (من حقول الغمام) تنوع في الموضوعات: ،شعر وطني و قومي . وجداني .. شعر يخص المدن السورية . و هناك اِلتفاتة إلى الشعر الاجتماعي كذلك هناك مدائح و رثاء وخصوصيات .. فأين تجد إنسيابية أكثر في سيرورة القلم الشعري و بعفوية مطلقة و لماذا ؟
لا يمكن للشعر أن يشب و يترعرع إلا في تربة الحياة فهو شجرة جذورها في الأرض و أغصانها تلامس الفضاء .. تلفحه الشمس و تهزه العواصف و تبلله الأمطار يطير مع العصافير و يتوقف دامعاً عند محطات الألم . فالشعر وليد البيئة النفسية به .. كل هذا يحدد سيرورة الشعر و طريقة مقاربته و ملامسته للموضوعات بطريقة خاصة تختلف عن غيره, أي أن درجة تفاعل الشاعر مع الحدث و مع المحيط مع المكان و قدرته على تمثيل هذا الحدث هي التي تحدد كينونة و مسارات هذا الشعر و تجعله ناطقاً جديراً يتكلم بلسان كل من حوله.
لقد أخذت قصيدة حمص الجانب الأكبر من الجمال و المشاعر الفياضة في مجموعتك الشعرية ( في حقول الغمام ) قياسأ بالمدن التي ذكرتها في أشعارك… فمن أين استقيت تلك اللمسات الملونة ؟
– لا شيء في هذا الوجود إلا و يرتبط بالمكان و الزمان بطريقة ما أما الإنسان فإن وجوده و حياته كلها لا تنفصل عن الأمكنة التي يعيش فيها . فيتفاعل معها و يتأثر و يؤثر فيها حتى تصبح هذه الأمكنة بخصوصيتها جزءاً لا يتجزأ منه و الشاعر يستطيع أن يعبر عن هذه العلاقة بطريقة أجمل و أكمل فمدينة حمص هي المدينة التي ولدت فيها.. ظللتني سماؤها و أشجارها و بللتني بالسعادة أمطارها .. عرفت وجه بيوتها و شوارعها كوجه أمي و حملتها معي في غربتي أيقونة فرح ، ولا شك أن غربتي عنها لأكثر من ثلاثين عاماً جعلتها عندي بمثابة النبض الذي يزحم شراييني و لذلك جاءت قصائد حمص تعبر أصدق تعبير عن حبي و مشاعري تجاهها و هذا أقل الوفاء.
حدثنا عن نشأتك وأسباب الرقة و العفوية في شعرك ؟
من المؤكد أنه لا شيء في الوجود يتولد من الفراغ, منذ أن كنت تلميذاً في الصف الرابع الابتدائي كنت أرتاد ركن الأطفال في المركز الثقافي بحمص . قرأت كل قصص الأطفال و في الصف الأول الإعدادي قرأت المعلقات و كتبتها . و حفظت الكثير منها و كانت أولى محاولاتي لكتابة الشعر العمودي و استمرت محاولاتي لقراءة الشعر القديم و الحديث فقرأت الكثير و عرفت أن الشعر هو جمال الصورة المبتكرة و جمالية التركيب و أناقة العبارة . و لذلك فأنا أحاول أن أقدم في الشعر ما يرضي ذائقتي و يقنع تجربتي و لا أحاول أن أقلد أحداً .. فالشعر في النهاية موهبة تصقلها التجربة و تغنيها القراءة و الاضطِّلاع .. فليس هناك شعر دون موهبة على سوية عالية تجعل الشعر جديراً بالقراءة.
هل ترى أن الشعراء واكبوا الحرب الجائرة على بلدنا كما يجب, ؟
– ما تعرضت له سورية الحبيبة و لا تزال خطير جداً ، و هو ما يستوجب و يحتم أن تكون الردود بحجم هذه التحديات … وحقيقة لم يرتق ما قدم من شعر إلى مستوى المواجهة و إلى حجم التحديات … لكن اللافت للنظر هو حجم المشاركة الكبير و المحاولات في مواجهة الفكر المتطرف العفن .. و لكنها للأسف لم ترتق إلى المستوى المأمول … و أنا كتبت العديد من القصائد الوطنية التي أعتز بها و لكنني أجد نفسي مقصراً دائماً أمام بطولات و تضحيات بواسل جيشنا و شعبنا ، و قد قال الشاعر نزار قباني : عندما تبدأ البنادق بالعزف تموت القصائد العصماء ـ

لن يبقى إلا الإبداع الحقيقي!
وعن رأيه في قصيدة النثر قال: ، ظهرت قصيدة النثر في القرن الماضي نتيجة اتصال الأدباء مع الأدب الغربي و هي محاولة لكتابة القصيدة بشكل غير مألوف و هو ما سبب إشكالية و خصومات أدبية.. و بالرغم من أن القصيدة التقليدية تمتلك جماليات الثقافة و الموسيقا فإن الشعر برأيي غير مقيد و الخروج عليه ليس عيباً و لكن بشرط أن يأتي هذا الخروج بجماليات لا تقل عن جماليات القصيدة التقليدية . فأبواب الإبداع مفتوحة و لا يحق لأحد أن يغلقها و لكن للأسف نحن لا نرى أي أثر للشعر عند بعض من يكتبون قصائد النثر فبعضها ألغاز و بعضها يهمه الخروج عن الوزن بأي طريقة كانت . و هذا ما فتح لنقاد قصيدة النثر أبواباً كثيرة لنقض النثر و تبيان مثالبه و سقطاته و لا شك أنه في النهاية لن يبقى من الشعر و النثر إلا ما هو نتاج إبداع حقيقي للشعراء الحقيقيين .

دواوين لا تساوي قيمة الورق .؟!
وعن كثرة المتسلقين على الشعر قال: لا شك أن دعوة مناصري الشعر الحديث إلى التحرر من القافية و الوزن و القوالب المسبقة شجع الكثيرين على كتابة قصيدة النثر ممن لا يعرفون ما هو الشعر أصلاً و ساعدهم على ذلك وسائل التواصل الاجتماعي و كثرة المداحين الأميين الذين لا يفقهون الشعر … حتى صرنا نرى الألقاب الفخمة توزع على مدعي الشعر بالمجان نتيجة المحسوبيات ، و هذا أدى إلى ما نراه من هذا الكم الكبير من مدعي الشعر – مما يحتاج إلى وقفة حازمة من الجهات الثقافية الرسمية و الأهلية تجاه كل من يحاول الإساءة إلى شعرنا العربي و لغتنا العربية بوضع الضوابط و الأسس السليمة التي تُطبع بموجبها دواوين الشعر و التي لا يساوي بعضها قيمة الورق الذي طبعت عليه .
سريعة حديد

المزيد...
آخر الأخبار