نافذة للمحرر .. أدباء في الذاكرة … غازي طليمات

عرفته أول ما عرفته في مركز تصحيح أوراق إجابات طلاب الشهادة الثانوية في النصف الأول من السبعينيات ،وعرفت فيه خفة الظل وحلاوة الطبع والقدرة العجيبة على حفظ التراث واختزانه ،وكان مركز التصحيح يومذاك فسحة لتبادل الطرائف الأدبية ،والمساجلات الشعرية ،وكان الأستاذ أبو الحكم بارعاً في نظم الساخر الذي يقوم على براعة التصوير والمفارقات الحادة والتي تهدف جميعها إلى بعث البسمة على شفتي الإنسان بعد مداعبة أعماقه ،وهذا ما أطلق عليه بعض النقاد شعر –الكاريكاتير –وتأكدت لي هذه السجية في التقاط الحدث وتصويره كما هو بتناقضاته عندما سمعته يلقي قصيدة يصف فيها باصاً متهالكاً ،وذلك في مهرجان من مهرجانات رابطة الخريجين الجامعيين الشعرية :
غرق الباص حين ماج الرصيف
بألوف قد ظاهرتها ألوف
ولزمت الجدار أبحث عن
حجر كفأر قد داهمته الحتوف
هابط جرّ صاعدا ورفوف
أبعدتها عن الصعود رفوف
وضلوع الباص ارتمت تتلوى
أو ما بينكم رؤوف عطوف
ليتني –والباصات حولي حطام
من حديد على أتان رديف
وقد كان لهذه القصائد الساخرة أثرها المحبب في نفوس الناس وتركت صدى طيباً ظل يتردد لفترة طويلة .
بعدها عرفته أكثر فأكثر من خلال ولده –الحكم الذي كان طالباً في ثانوية عبد الحميد الزهراوي .
وعرفت أن من آثاره المطبوعة تحقيقه كتاب –أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم –الذي صدر عن سلسلة المختار من التراث التي تصدرها وزارة الثقافة بدمشق .،وأنه أسهم في المسرح الحمصي كتابة ومن أبرز مسرحياته
-عين جالوت –العز بن عبد السلام
وكان الأستاذ غازي طليمات قارئاً نهماً وباحثاً شغوفاً فأكمل دراسته ونال شهادة الماجستير ثم الدكتوراه في الآداب وعمل في جامعة البعث ثم في الإمارات العربية المتحدة .وقد بذل جهداً جباراً وأعطى ثماراً طيبة من خلال تلخيصه أجزاء السفر الضخم –قصة الحضارة –للكاتب العالمي :ول ديورنت –وقد صدر هذا التلخيص منذ سنوات .وما زال الدكتور غازي طليمات نهر عطاء متدفقاً ، وقد أطلعتني الأديبة الزميلة ميمونة العلي على كتاب جديد له وصلها حديثاً وهو ينتمي إلى فن –المقامة –الذي برع فيه أبو الحكم وأجاده .
غسان لافي طعمة

المزيد...
آخر الأخبار