كيف يمكن أن نقرأ قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالاعتراف بضم الجولان السوري المحتل إلى الكيان الصهيوني ،هل هو مرحلة جديدة من الجنون الأمريكي ،أم هو تعويض عن الخسائر الباهظة للإدارة الأمريكية في حربها الكونية على سورية والتي لم تستطع خلال ثمانية أعوام من حربها المجنونة لإسقاط وتقسيم سورية من تحقيق أهدافها ،بل خرجت سورية أكثر قوة وصلابة وهذا ما شكل رعباً حقيقياً داخل الدوائر الصهيونية والدول الاستعمارية الداعمة لها ..
ولذلك فإن هذا القرار كان نوعاً من تحقيق انتصار وهمي يحاول أن يسجله الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في الوقت الذي تبدو فيه دولة الاحتلال الصهيوني في أسوأ أيامها ومراحلها لأنها الأضعف أمام قوى محور المقاومة التي استعادت قوتها .
الحقائق والمؤشرات تؤكد أن ثمة معادلات جديدة لم تكن واردة في حساب محور الشر الذي قادته الإدارة الأمريكية منذ ثماني سنوات ،وهذه المعادلات تتلخص بأنها لم تعد القوة العظمى في العالم في ظل ظهور قوى جديدة مثل روسيا والصين وهذا ما سيجعل الموازين تتغير والمعادلات تختلف في النتائج التي اشتغلت عليها الدوائر الصهيوأمريكية خلال السنوات الماضية فالكيان الإسرائيلي الذي تدعمه الدول الاستعمارية وتوفر له الغطاء للاعتداء على الدول العربية قد سجل تراجعاً وانهزاماً في قوته وفي قدرته على الاستمرار بصلفه وعنجهيته وكلنا يذكر الحروب التي قادها الكيان الغاشم واجتياحه للجنوب اللبناني في ثمانينيات القرن الماضي وكيف استطاعت المقاومة اللبنانية الباسلة من جعل هذا الكيان ينهزم من الجنوب اللبناني هو وعملاؤه في عام الـ2000حيث تم تحريره من دنس الكيان الصهيوني .
ولأن الكيان الصهيوني قائم على العدوان ولا يمكن له في يوم من الأيام أن يفهم لغة السلام فقد استمر في عنجهيته واعتداءاته المتلاحقة حيث شن حرباً جديدة في عام الـ2006 للقضاء على المقاومة اللبنانية ولم يستطع أن يحقق أهدافه خلال حرب الـ33 يوماً والتي انهزم فيها وجر أذيال الخيبة والانكسار في ظل هذه الهزائم المتلاحقة للكيان الإسرائيلي الذي بدا أوهن من بيت العنكبوت لأن عدة آلاف من المقاومين حطموا غطرسته وهزموا جيشه الذي يعد حسب زعم القادة الصهاينة من أقوى جيوش العالم .. ظهرت سيناريوهات جديدة لتحطيم محور المقاومة التي تعد سورية من الدول الداعمة له ولذلك فقد بدأت حرب كونية دنيئة في الـ 2011 للقضاء عليها وتقسيمها وبالتالي حسب رؤية الدول الاستعمارية يتم القضاء على المقاومة ويعود الكيان الإسرائيلي إلى استعادة قوته التي حطمتها إرادة المقاومة وعلى الرغم من حشد أكثر من 82 دولة بقيادة الإدارة الأمريكية إلا أن سورية انتصرت في حربها ضد الإرهاب وهزمت اكبر دولة في العالم بفضل مساعدة الأشقاء الروس والإيرانيين والمقاومة اللبنانية وبفضل تضحيات جيشنا السوري الذي استطاع أن يطهر أجزاء كبيرة من الأراضي السورية من رجس العصابات الإرهابية المدعومة من الخارج
إذن لم تستطع الإدارة الأمريكية والدول الاستعمارية وإسرائيل أن تنتصر على سورية فماذا تفعل وكيف تستطيع أن تحافظ على شيء من هيبتها الممرغة في الوحل لم يكن أمام الرئيس الأمريكي إلا أن يقدم هذا الاعتراف بضم الجولان السوري المحتل للكيان الصهيوني كي يحافظ على ماء وجهه وهزيمته النكراء التي سقطت تحت أقدام الجيش العربي السوري وهو بذلك يخالف القوانين الدولية وكل الشرائع بهذا الاعتراف ..
ومع ذلك فإن هذا الاعتراف لن يشكل شيئاً لدى الشعب السوري لأن سورية قالت كلمتها عبر بيان وزارة الخارجية حين قالت بأن الكون بأسره لايستطيع تغيير الحقيقة التاريخية بأن الجولان كان وسيبقى عربياً سورياً وعزيمة السوريين على تحريره أكثر صلابة من أي وقت مضى وهذا يعني باختصار أن سورية حين تجد الفرصة مواتية ستقوم بتحرير الجولان ولن ينفع قرار ترامب الصهاينة شيئاً لأن إرادة السوريين أقوى وهذا ما أثبتته الوقائع خلال السنوات الثماني الماضية …
عبد الحكيم مرزوق