القاعدة الأكثر أمانا ً للنفس المتعبة هو الابتعاد عما يبث ويحكى من قصص خطف وقتل والتي تصدرت مواقع التواصل الاجتماعي وأخص بالذكر حادثة الطفلة الملاك “جوى” التي اختصر حياتها ” معتوه سكير ” لتذهب إلى عالم أكثر أمنا ً وأخف صخبا ً، حادثة أحيت في نفسي حوادث مشابهة حسبت أنها غادرتني فالكل يضيف من خياله أسبابا ً ومسببات لخلق حالة من الإثارة والتشويش يفرضونها على أصحاب الضمائر الحية ..
هي تجسيد لحالات نفسية يعيشها الناس اليوم ، ينبشون القصص لإثارة الهواجس والكوابيس بعد أن أشعلت الحرائق في القلوب، طفلة كانت تغرد كالبلابل ، تغريد يقطع نياط القلب، ليبقى دمها معلقا ً في ضمير الإنسانية ..
كل ذلك جعل شريط ذكرياتي الطفولية يغرقني في الماضي البعيد ينزلق أمامي لطفولة سعيدة لم يكن “النت” متسيدا ً الحياة ولم نكن نسمع أو نشهد جرائم إلا نادرا ً، فلاشيء كان يوقفني عن إكمال اللعب، أحث الخطا نحو البساتين القريبة والبعيدة عن مكان السكن، أتسلق الأشجار التي تحوّل أطرافي إلى أجنحة، أركض في الطرقات تحت خط المطر لأصل في نهاية النهار منهكة، متسخة، أنعم بعدها بحمام ساخن، فكل خطوة كنت أخطوها عنوانها الأمان ، وكل طريق أسير فيه يحفه الاطمئنان، فلا إحساس بالخطر ولا اثر للأذى ..
ربما كانت النفوس نقية نقاوة السماء، تحلق في سماوات الطيبة والمحبة في فضاء رحب أقفز فيه ويداي تحاولان قطف النجوم فلا مكان للملل ولامجال للفتور في ظل حياة صاخبة ..
فالماضي كان جميلا ً حنونا ً لا أصوات نشاز تصدرها مواقع التواصل الاجتماعي والتي تحاول العبث بعالمنا البريء، لتجعلنا اليوم نقفل أبوابنا على الخوف منعزلين محاولين سجن الأطفال بين جدران المنزل في حالة عجز من التأقلم مع واقع جديد مرتبط بخوف ما، نعيش فيه حالة الفقد، والشعور القاسي باليتم، ننوح مع الثكالى والملتاعين ، ماجعلنا نخطىء في تقدير أعمار الناس الذين أهرمتهم مصاعب الحياة وقساوتها في شتات ذهني وعقول مشغولة ..
مهلا ً ياسنين العمر ولتشعي فينا الدفء والحنان في زمن رتب ونسق على كثير من التكلف والكذب والنفاق والنميمة كنار كاوية فلا مثالية نحلم بها ولا مدينة فاضلة حشونا عقولنا بها بل بات سلوكنا المتحفظ هو سيد الموقف من خلال حكايات هذا العالم المحمل بحكايات جريحة في ظل سباق غبي على مصلحة ما، مادية، معنوية، والحبل على الجرار..
عفاف حلاس