حين انشغالنا بتأمين لقمة العيش يغفو لدينا العقل خلف ضباب الواقع المر لترتعش أجسادنا بقصص يومية موجعة في رحلة البحث عنها في غياهب المجهول ليفتح البحر في إحداها فمه ويخرج زفراته وتنهداته التي احتضنت قصصاً متكررة ، ليلتهم اليوم أرواح الحالمين بالشمس المشرقة والتي باتت آفلة في عمق بحر سار بعكس ما يشتهون..
أناس تقافزوا فرحاً قبل الرحيل بأحلام معلقة خارج وطنهم الذي احتضنهم بعمق مشاعره بعد أن مد لهم ضعاف النفوس لسانهم اللامع بمغريات السفر فكانوا كمن يلعب دور ” دونكشوت ” إذ اصطدموا بضربات أكف العاصفة على زورقهم المتهالك بؤساً لتنطلق ألسنتهم بالدعاء وتمتمات الاستغاثة على أمل الخروج من رحلتهم سالمين غانمين ، فيضيق بصيحاتهم صدر من رماهم لمصير أسود بعد أن نصبوا الفخاخ واقتنصوا الدولارات لأصحابها المغادرين رغماً عنهم تاركين وراءهم ماضياً مرصعاً بطموحاتهم و ذكرياتهم ولكل منهم قصة ولكل قصة غصة .
فمن فوق أمواج البحر العاتية خفقت القلوب هلعاً وخوفاً يقاومون صهيل العاصفة والريح والبرد ، يثير وقوعهم في فخ الطمع والجشع زوبعة من المشاعر المؤثرة ترتعش لها القلوب لمجرد تذكر أحداثها .. فيتبعها سلسلة لا حدود لها من الفضائح لأصحاب المراكب المصدرين للموت ، وتثير تساؤلات شتى عن سلوكيات غير آدمية والذين أخذوا يتزايدون اليوم و يحصدون الغنائم فيكشفون عن وجوه بشعة مخيفة تحت مسمى ” وليكن من بعدي الطوفان ” أحداث متلاحقة تدفعنا لكتابة موسوعات من حكايات موجعة بطلها الفقر والبؤس والحاجة .. لكن الحياة ليست سوداوية تماماً فثمة قلوب نظيفة مضيئة بالطيبة في الليل الحالك شهدناها عند أبناء جزيرة أرواد الذين سخّروا إمكانياتهم ومدخراتهم المتواضعة من مازوت التدفئة لإنقاذ أرواح بريئة والذين لا ينتظرون جزاء لعملهم الصالح ، لكنهم ظلوا يكبرون لنتداول نحن أعمالهم الحسنة فتطغى على سير عديمي الإنسانية الذين أغرقونا في مستنقع آسن من الطمع والجشع قذفوا فيها مرساتهم ، ليلتقوا من جديد بأصحاب أحلام مقتولة على عتبات الزمن الضائع .
عفاف حلاس