في الزمن الرخو تنمو الطحالب وتجد مرتعا لها إلى حين لكن الأشجار الباسقة قد تتغاضى عنها إلى أن يأتي صاحب الحقل فيكون لفأسه كلام آخر وهو حال الفن الهابط وأخص هنا كثرة الأغاني الهابطة التي تغص بها وسائل الإعلام وأعني هنا ( القنوات الفضائية ) التي تتزايد أعدادها والتي لا يهمها سوى الربح المادي من أي طريق كان ، ومن جهة ثانية هناك وسائل التواصل الاجتماعي التي تساهم أيضا في انتشار تلك الأغاني والمؤسف له أن تلك الأغاني بلا طعم ولا لون ولا رائحة هي في أغلبها كلام لاعلاقة لأوزان الفراهيدي به وجمل موسيقية اعتباطية تماشي حركة الأرجل وليس لها أي مغزى أو قيمة فكرية يمكن أن تقدمها للمجتمع وكذلك أصوات للنشاذ وفي أكثرها صراخ وحدة أصوات يتمناها باعة أيام زمان وقد تكون مجبرا على سماعها عندما لا يحالفك الحظ وأنت تركب في سرفيس لسائقه مزاج لا يعدله إلا ذلك النوع من الأغاني .
والغناء فن راق وأصيل أخذ مكانه في حياة المجتمعات وأصبح ذا هوية مميزة وخاصة الغناء العربي الذي رافق الشعر منذ نشأته في العصر الجاهلي ولم ينفصل عنه إلا بعد مرور وقت طويل حيث اعتمد الغناء في ذلك الوقت على ترداد وزن معين يناسب الشطر من بيت الشعر ويتناسق النغم مع طول المقاطع اللفظية أو قصرها وكان مرتجلا يتسم بالبساطة وكان أوله الحداء . وهو من بحر الرجز الذي يلائم سير الإبل , وبعد الفتوحات الإسلامية ظهر في مكة والمدينة نمط جديد من الغناء ونسب فضل إدخاله إلى ( طويس وسائب خاتر وعزة الميلاء ) وأخذ شكله فيما بعد على يد الفارابي وأصبح هناك مراكز للتدريب على الغناء وقد تطور فن الغناء في العصر العباسي تطورا لافتا وكثرت أصنافه من الزجل والموال ثم جاءت المدرسة الأندلسية حيث ظهر فن الغناء وتم وضع أصول له . وبعد الاحتلال العثماني عم الجهل والظلام على الواقع العربي وحافظ فيه العرب على المتوارث من الغناء حتى أواخر القرن التاسع عشر حيث لوحظ حماسة الموسيقيين لإحياء التراث العربي حيث عادت الأغنية لتحتل مكانة مرموقة في حياة المجتمع العربي وهي توصف ببساطة لحنها وشكلها البنائي وصارت تؤدى باللهجة العامية واستقت موضوعاتها من حياة الشعب والناس وأصبح لكل منطقة لهجة خاصة بها . وأصبحت الأغنية وخاصة السورية منها ذات شكل وإيقاع لفظي وموسيقي وصارت جزءا من التراث السوري الأصيل وانتشرت اللالا والموليا وسكابا والدلعونا وكانت الأغنية منضبطة إلى حد كبير حيث شاركت وزارة الإعلام في تأصيلها من خلال مهرجانات غنائية تقام بشكل دوري تقريبا وكانت الأغنية لا تظهر إلا بعد موافقة لجان مختصة في الإذاعة والتلفزيون حيث تسجل ثم تذاع بعد استكمالها لأبعادها الثلاثة من كلام وموسيقا وصوت يطرب .
مما سبق وكي تبقى جذور الأغنية قوية ومتينة بارتباطها مع التاريخ والأصالة لابد من إصدار تعليمات من الجهات المعنية تمنع فيه طرح الأغاني الهابطة تحت طائلة المسؤولية كي نقول أن مرحلة الفن الهابط كانت سحابة صيف ومرت .
شلاش الضاهر