تحية الصّباح… إنما العربية اللسانُ ..

يطرق الفجر فحمة الدياجي , فيرتسم المشيب بواكير ضوء يصحو به فتياً كلُّ نهوض يتطلع صوب مدى من كل حضور راسخ , يؤكد مكانته منزلة في دلالة معنى , و إرادة تعبير , فيغدو البهاء كينونة شموس تطل من خدرها , فتوقع الشمس أنوارها تلاوين ثرية ما بين الإنسان حفاوة إقدام والطبيعة غنى اخضرار واتساع آفاق على وجنات التضاريس تهزج مغناجة ما بين تل يغيب وقمة تبدو , وسعة تفكير يكتنز مكامن الجمال في أروقة الحروف , ودنيا الكلمات وفي معطى الروح , وفيض الوجدان ثمة ما يكون النداء نحو فيض وجدان . وعبر منمنمات الفطنة , و ألمعية كل بوح خلاق تتجدد الحيوات ولادات ٍ , فصاحة كل إبداع  وعلى مكين الوعي ما بين عقل وعاطفة تتهادى الحروف شرانق من حرير , و أوابد صماء ما بين مساكب زهر وقلاع بلاغة يسري نبوغهما حصيلة ً لغوية , وغنى قراءات , وتشوّفَ معارف , و ارتياد عنوانات لكتب و أسفار تترافد فيما بينها أصالة مصادر ومراجع ودراسات و أبحاث .

هي كينونة العقل المبدع , واجتهاد الكد في إعمال التفكير , ورهافة الذوق الرفيع عبر مقاربات استيعاب يسكن ثقافة لغتنا العربية مطارح كل صعيد في علومها , ومجالاتها ضمن مستويات اللغة , و أسيقتها المعجمية والنحوية والصرفية و الإملائية , وثنائية الترابط العضوي ما بين النحو وعلم المعاني اكتناز أسلوبية حديثة , ولسانية لها سيميائية تلامس شغاف الحروف كلماتٍ والتعابير دلالات , فتتقرّاها فطن المثاقفة فقه لغة ودنيا من تراث .

واحاته مكتبات , ورواده مبدعون شعراً ونثراً في العلوم شتى ما بين ديوان العرب شعراً من السموط معلقاتٍ إلى القصائد العصماوات فرائد قمم عصور , و أطواد قامات ماضياً وحاضراً في معيارية اللغة   وروائز النقد والإبداع والموضوعات والصوغ و اتقاد العواطف مشاعر تحاكي بلاغة اللغة في منظومتها , والحياة في تفاصيلها واللغة في جانبها الوظيفي واقعاً تعبيرياً ما بين ذاتي وموضوعي , وقضايا الإنسان والحياة , حيث اللغةُ في علومها مجسدة واقع حال وظيفي يعتمد قواعد اللغة ثوابت لسان ٍعربي مبين فتشرق السيولة الذهنية في خفايا التفكير وعبقريات الإبداع طمأنينة ماء نمير في سرير جداول مهادها معنى التمكين للغة براعة كل جهد وتذوق وكينونة خبرة , ومهارة صوغ في مقاربة الكلمة عبر ارتباطها بحركة التاريخ والحياة , وسمو الإبداع باللغة اشتقاقاتٍ ومعطيات صرفية ونحوية ومجازية ودلالية .

وقد حُصّنَ ذلك كله باللغة منظومة متكاملة وما جاد به المبدعون والدارسون والنقاد والباحثون والفلاسفة في مقولاتهم , وغيرهم , و أبحاث علم النفس في اللغة , و آفاق قيمها عبر مدارج العصور وحيثيات الفروق الفردية وعياً باللغة وشغفاً بجمالها و أساليبها , و الأعمال الخالدة في العلوم كلها لتغدو قصب السبق في ملعب كل اجتهادٍ يتسع له كل مضمار .

إنها لغتنا العربية هذا الفجر المكتنز شموساً من عبقريات نهضت بها , وتنهض أمتنا إرادة حضارة اشتدت عليها تحديات , لكن اشتد ساعدها بمكين لغتها لساناً عربياً وعميق مضامينه وعياً وقيماً وشهامات مجالس فكر في علوم , وريادة فروسية في ساحات وغى فكان , ويكون الشرف الرفيع بلاغة كل قول على فعل .

إنها لغتنا العربية التي بإدراكنا لعلومها , و أساليبها , ومدى الانشغال بأسيقتها ومجالاتها ومستوياتها , وبدلالتها بذاراً للعقل المبدع , ووعاء للتفكير وحديقة غناء لجماليات البلاغة بأضربها , ومكانتها في قلوبنا رابطة قومية , وهوية انتماء , ولسان تعبير ومعنى حضور فإن مسؤوليتنا أمامها هو حال شعيرة جماعية لأن اللغة مؤسسة اجتماعية, فلغتنا منزلنا , ولغتنا عالمنا , ولغتنا هي نحن تعاقب عصور , وتتالي أجيال وفضاءات استشراف حيث المدى يتسع مدى , فاللغة الأم هي معرفتنا بلغتنا وأي تعلُّمها و تعليمُها و الإبداع وفق قواعدها نتاجات في صعد الحياة علوماً ولا شك أن الأسلوب في تقديمها يحتاج إلى طرائق ترتكز على عوالم تلك اللغة لساناً , فبراعة الفعل هي أسلوب والأسلوب هو الرَّجُل فلغتنا قصائد ومقطعات نثرية ومقولات فلسفية و أناشيد و أبحاثاً كامنة في اجتهادنا لعلوم لغتنا , وفي قدرتنا على الإبداع صوغاً في تعبير وسداد منطق في تفكير وبذلك نسهم تقميشاً قشيباً مطرزاً عبر قيمة مضافة لفطنة في حوار , وجمال في تفكير منفتح لمضمون أخاذ وصوغ بهي , إنها لغتنا الأم , ولساننا و انتماؤنا وهويتنا .

نزار بدّور

 

المزيد...
آخر الأخبار