تحية الصباح .. جلاء تم .. وجلاء ينتظر

تسع وتسعون سنة مرت على نزول الجيش الاستعماري الفرنسي بقيادة الجنرال غورو على البر الشامي , وزحفه بعد إنذاره الخلبي الاعلامي – نحو دمشق درة الشرق وعاصمة التاريخ وفي ساحة البرج – ساحة الشهداء – في بيروت واجهه الشاعر الشعبي يوسف حاتم بالقول : نحن يا غربي عرب الناطقين بالضاد , نحن التواريخ تشهد كل وقت فينا – يكفي بأنا أماجد لسنا أوغادا ً , ولا نحن بناديق لا نعرف أبوينا .
وفي ميسلون أقام يوسف العظمة نهاره يواجه بصدره وصدور رجاله مدرعات المستعمرين فلما زال قرص الشمس زال ، فكان موكباً للنور غلغل في الشموس وغابا .
وفي التاسع والعشرين من أيار عام خمسة وأربعين دق المستعمر الفرنسي آخر مسمار في نعش رحيله عند اعتدائه الوحشي على البرلمان السوري بعد أن فصل له هذا النعش سلطان باشا الأطرش وإبراهيم هنانو والشيخ صالح العلي وأحمد مريود ومحمد الأشمر وحسن الخراط ونظير نشيواتي وآخرون … وأحكم لهم إغلاق نعش رحيلهم رجال فكر وسياسة شهدت لهم حتى فرنسا المستعمرة بحنكتهم السياسية ومواقفهم الوطنية الصلبة كفارس الخوري وسعد الله الجابري وهاشم الأتاسي وشكري القوتلي … وفي السابع عشر من نيسان بعد عام من الاعتداء الوحشي على البرلمان السوري كانت ساحة المرجة في دمشق وساحات الوطن كلها تردد مع شاعر الشام شفيق جبري :
حلم على جنبات الشام أم عيد ؟
لا الهم هم ولا التسهيد تسهيد
أتكذب العين والرايات خافقة
أم تكذب الأذن والدنيا أغاريد ؟!
ورحل المستعمر ولكن نزعته الاستعمارية لم تنطفئ , وحقده باق ولعل من الصور الصغيرة المعبرة أن الفرنسيين يضعون جمجمة – سليمان الحلبي – قاتل الجنرال الاستعماري الفرنسي في مصر – كليبر – يضعونها في متحف اللوفر نموذجاً .
ولعل الصورة الكبرى على تأصل النزعة الاستعمارية واستمرار الحقد على الشعوب التي كانت مستعمرة أن فرنسا منذ اليوم الأول للعدوان الصهيوني التكفيري الرجعي على سورية وقفت ضد الدولة السورية , وفرضت العقوبات على الشعب السوري بل أرسلت بعض قواتها العسكرية ضمن ماسمي زوراً وبهتاناً – التحالف الدولي – ليدخل الى أراضي سورية تحت مظلة القوات الأمريكية المعتدية دون موافقة الدولة السورية التي تعد هذه القوات قوى احتلال واستعمار مهما تعددت جنسياتها من أمريكية وبريطانية وفرنسية و… ولا يختلف الأمر مع الاحتلال التركي , فقد عانى آباؤنا وأجدادنا من أسوأ احتلال هو الاحتلال العثماني الذي جثم أربعة قرون فضج منه الشجر والحجر فكيف البشر وكل هذه الاحتلالات الاستعمارية تحلم بتجديد ماض من السيطرة والنفوذ والنهب والاستغلال ولكن كما تم الجلاء منذ ثلاثة وسبعين عاماً فإنه سيتم رغم أنوف المعتدين ومرتزقتهم وسنجدد إنشادنا :
يوم الجلاء هو الدنيا وزهوتها
لنا ابتهاج وللباغين إرغام

د. غسان لافي طعمة