قراءة في رواية “دموع بغداد ” للدكتور عبد المؤمن القشلق

روايات الحرب هي روايات توثيقية أكثر  منها أدبية،  و تميز كتّابها بالسردية المشوقة ، اتخذ اغلبهم  من البساطة اللغوية عطرا لجذب القارئ المهتم بالحدث الحقيقي  وفورا يتراءى للذهن اسم  الروائي العالمي ليو تولستوي الذي كتب روايته الشهيرة (الحرب والسلام ) الذي أبدع في كتابتها ، وكذلك الأمر في رواية (دموع بغداد ) التي كتبها الدكتور عبد المؤمن القشلق حيث زج فيها شخصيات خيالية وضعت القارئ في منعطفات تاريخية  من حيث الأهمية ،في زمن الحرب بقالب عاطفي لايخلو من الرومانسية والمشهدية الدرامية.

تتركز أحداث الرواية  في زمن الحرب الأمريكية على العراق بحجة القضاء على الإرهابيين والتخلص من الترسانة النووية الموجودة لديه ولكننا نعلم أن هذه الحجج ليست إلا ستارا للسيطرة على الثروات النفطية العراقية ولكن !

من يبدأ بقراءة  رواية (دموع بغداد ) سيلاحظ أنها ليست إلا خيطاً ذهبياً يلمع وسط أحداث محزنة ولهيبا من مشاعر القهر على أوجاع الشعب الطيب .

قبل البدء في محاولة طرح خصوصية هذه الرواية وتفردها بين أخواتها من الروايات أريد أن أنوه أن الرواية لم تتجمل بمنمقات بديعية ،  ! بل كانت سرداً بسيطاً خالياً من الألغاز والتساؤلات .

قدم الكاتب الشخصيات كأبطال ضمن مساحة جغرافية معروفة فكانت البداية على أرض العراق ثم سورية وبعد ذلك نيويورك ، أكدت ووثقت علاقة الجسد مع الأرض ،كان  للشخصية دوراً كبيراً في إظهار  حقيقة الاعتداء الذي كان قد طُرح  على لسان البطلة العراقية فاطمة عندما قالت لمن اقتحم منزل عائلتها ((اعذروني يا أعزائي فأنتم المواطنون الأمريكيون ساذجون قليلا في السياسة أي أنكم مسيسون تماما ً ”

الرواية مشوقة ،  مليئة بالأحداث الحربية أبطالها ثوريون في الإنسانية وهم العنصر الأهم في العمل والتي جسدت جوهر العمل والفكرة الأساسية فتجاوزت الكلاسيكية في المفهوم وزاد في جمالها التوتر الواضح على شخصيات الرواية من خلال المونولوج الداخلي لكل شخصية ولم يجنح القشلق عن سير الخط العام للرواية فحقق بشخصياته حضوراً لافتاً توجب الاعتراف به ،لم يتعمد الهروب من المواقف العالقة فيها بل عمل على تنظيم التوازن بين شدة الأحداث ورخائها.

بطلها شاب أمريكي برتبة رقيب  اسمه مايكل يُزج في الجيش الأمريكي لمحاربة الإرهابيين في العراق ، تقوده الحرب مع رفاقه إلى مهاجمة أحد الأحياء السكنية ويدخل معهم إحدى البيوت ليفاجأ بثقافة العائلة المؤلفة من الطبيب عبد الرحمن وزوجته وابنته فاطمة الفائقة الجمال والتي تتكلم بالإنكليزية بطلاقة وهذا مازاد من دهشة مايكل الذي سأل بدوره الشابة أين تعلمتِ الانكليزية فقالت أنها تعلمتها في جامعة اكسفورد وكذلك الأمر باقي العائلة وأكدت له أنها ليست كما يظنون أن المرأة تقايض بالإبل ، يتركها مايكل ويفك قيودها وقيود عائلتها لتبقى الشابة بجمالها وذكائها عالقة في جدران ذاكرة البطل ويبقى على تواصل مع العائلة حتى أتى اليوم الذي قررت فيه العائلة النزوح إلى دمشق هربا من الحرب في العراق وخوفاً من الهجمات الأمريكية المتكررة.

بعد أن يصاب مايكل في المعركة تتم معالجته بإجراء عملية جراحية تكللت بالنجاح ، يضطر لإجراء معالجات فيزيائية بعد نزع تلك الأسلاك و يعود إلى بلاده ويتابع دراسته الجامعية وطبعا لايغيب عن ذاكرتنا أن الكاتب طبيب يزاول مهنته وبالتالي فقد أغنى هذا الجزء من الرواية بالمعلومات التي تفيد ثقافة القارىء الطبية

الإشتياق والحب الصادق حملا مايكل للقاء بمن يحب من جديد ولكن سفره من بلاده إلى دمشق كان حافلاً بالتعب والمشقة ، تشاغل أثناء فترة نزوله الفندق من خلال الدليل السياحي (ليون )في اكتشاف دمشق التي تعتبر أقدم المدن في العالم وأجملها ليزور الجامع الأموي ، ثم السوق المسقوف الذي اكتظ بالناس والسياح والباعة.

تدرجت أحداث الرواية الشيقة بأسلوب روائي سلس سلط فيه الكاتب الضوء على عادات وتقاليد البيئة الشامية.

رواية شيقة  مليئة بالأحداث التي تحمل بين طياتها أهدافا أخلاقية وتربوية  ، يُخال إليك أنك ترى فيلماً  سينمائيا ، أبدع كاتبه في إخراجه قبل كتابته .

عبير منون

 

 

 

 

المزيد...
آخر الأخبار