أصبح امتلاك منزل متواضع في مساحته وموقعه حلما بعيد المنال للجميع بسبب الارتفاع الجنوني لأسعار العقارات والبيوت، والمواطن يترقب الإجراءات التي ستتخذها الجهات المعنية للحد من هذا الإرتفاع الذي طرأ على أسعار العقارات والمترافق مع غياب المعايير التي تضبط حركة أسعار المساكن والأراضي التي يمكن البناء فيها.
ولعل السبب الخفي الذي يقف وراء ظاهرة ارتفاع أسعار العقارات يعود لعدم التوسع في المخططات التنظيمية لمراكز المدن والبلدان والقرى في ظل التزايد السكاني, وارتفاع الطلب على المساكن مقابل قلة العرض, وغياب الدور الفاعل للجمعيات التعاونية السكنية والقطاع الخاص على حد سواء, وقد كانت هذه الجهات تعمل في السابق جنبا إلى جنب مع المؤسسة العامة للإسكان لتأمين السكن اللائق وبسعر التكلفة تقريبا علما أن القدرة الشرائية للمواطن ضعيفة في الإطار العام وحاليا تعمل المؤسسة العامة للإسكان على تقييم العقارات بالتعاون مع بقية الجهات المختصة بهدف جعل الأسعار غير مرتبطة بالمبدأ الأساسي المعمول به في السوق / العرض والطلب / فالتخمين المالي لأسعار العقارات بعيد جدا عن الواقع وعن السعر الحقيقي وأحيانا يتجاوز السعر المطلوب عشرات أضعاف السعر على أرض الواقع بشكل عام .
وللوقوف على بعض أسباب هذا الارتفاع التقت العروبة الدكتور المهندس محمود علي مدير فرع مؤسسة الإسكان بحمص الذي قال : تبذل المؤسسة العامة جهودا مضاعفة هذه الأيام لتأمين المسكن للمواطنين وبسعر التكلفة تقريبا وهو هدف أساسي تعمل عليهالمؤسسة علما أن الأسعار الرائجة اليوم مرتفعة ولا تتناسب مع دخل المواطن بشكل عام وفرع المؤسسة حاليا بصدد تنفيذ / 1620/ شقة مؤلفة من 15 برجاً في الضاحية العمالية ، أما على صعيد مساكن الادخار فيتم الإعداد حاليا للإعلان عن فتح باب الاكتتاب على ما يزيد عن / 1000/ شقة بموقع غرب طريق دمشق ومن المقرر أن يتم تخصيص المكتتبين على السكن الشبابي الدفعة الأخيرة مطلع العام القادم ويكون فرع المنطقة الوسطى بذلك قد أنجز كافة المساكن الشبابية لمكتتبي محافظة حمص والذي بلغ عددها / 4500/ مسكن علما أن المؤسسة تبيع المكتتب على المساكن سواء كانت شبابية أم ادخار بسعر التكلفة وبنسبة ربح بسيطة ووفق الأنظمة والقوانين المرعية وبالتالي فإن المؤسسة تحد من ارتفاع أسعار المساكن بشكل عام وحاليا يعمل فرع المؤسسة على تزويد الأبراج السكنية بمصاعد ولاسيما للأبراج الحديثة ومن المقر ر أن يتم تركيب المصاعد تباعا وقريبا جدا والمؤسسة حاليا بصدد تركيب /60/ مصعدا.
ارتفاع شبه فلكي
التقينا بإحدى المستفيدات من مشروع السكن الشبابي أم حمزة حدثتنا عن ارتفاع الأسعار قائلة : إن المسكن الذي استلمته من المؤسسة كان مشادا قبل ارتفاع أسعار مواد البناء واليد العاملة أي كان جاهزا للتسليم مع منتصف عام /2011/ فلماذا حُسب على جميع المستفدين بسعر تجاوز سعر التكلفة وأنا أدفع شهريا حوالي / 27 / ألف ليرة شهريا كقسط لهذا المسكن ولمدة / 25/ سنة علما أنني استلمت المسكن بدون الكهرباء والماء وقد عملت المؤسسة فيما بعد على توفير خدمات الكهرباء والماء, ولم تتوفر خدمة المصعد حتى الآن بحجة غلاء الأسعار.
أحد المواطنين مستأجر في مساكن الادخار قال : إن أسعار الإيجارات مرتفعة جدا قياسا بالدخل الشهري الذي لايستطيع أي مواطن سواء كان موظفا أم حرفيا تحمل, هذا الارتفاع الذي بات يشكل عبئا على جميع المستأجرين علما أن أغلب الآجارات كانت حتى نهاية عام / 2014/ لا تتجاوز الخمسة آلاف ليرة سورية في حدها الأقصى والسؤال الذي يطرح نفسه هنا ما هي الأسباب التي أدت إلى هذا الارتفاع الجنوني للآجارات في حين أنه لم يتغير شيئا على أصحاب الشقق باستثناء الإبقاء على شهيتهم المفتوحة لاستغلال حاجة المواطن .. ولابد هنا أن أذكر أن أغلب القاطنين في مساكن الادخار والشبابي هم من ذوي الدخل المحدود وقد اضطر عدد من الأهالي ونتيجة للظروف المادية الصعبة جدا إلى إخراج أولادهم من المدارس وحتى الجامعات لإعانتهم في سد نفقات المعيشة التي هي بدورها شهدت ارتفاعا شبه فلكي في أسعارها ,فأسرة مؤلفة من ثلاثة أطفال وأب وأم كيف تغطي احتياجاتها المعيشية في ظل أجار مرهق؟!
طرق استغلال مبتكرة
وأضاف : أشير هنا إلى ابتكار أصحاب الشقق طريقة جديدة لاستغلال حاجة المواطن, فالعقد المبرم مع المستأجر محدد بزمن ستة أشهر وبعدها يقوم المالك برفع الآجار وإلا .. إضافة إلى أن بعض المالكين يعمدون إلى تأجير الشقق مفروشة وبأسعار تفوق الوصف رغم أن واقعها يدل على أنها شبه مفروشة ولا تضم المستلزمات الحقيقية للسكن, علما أن المستأجر يدفع سلفة « ثلاثة أشهر» مقدما ومبلغ يتجاوز العشرين ألف ليرة كتأمين, ما دفع ببعض الأسر إلى بيع ممتلكاتهم الخاصة خشية البقاء في الشارع .. أما مكاتب الوساطة العقارية وخاصة غير المرخصة فهي تتلاعب بحاجة المواطن المغلوب على أمره .
ركود في سوق العقارات
وفي جولة على مكاتب الوساطة العقارية بالمدينة وقد رفض معظم أصحابها الحديث عن أسباب ارتفاع أسعار العقارات ,ولكن أشار معظمهم إلى وجود ركود في سوق العقارات حاليا وبعد جهد تحدث أحدهم وهو يعمل بهذه المهنة» كما أسماها» منذ حوالي / 30/ سنة قائلا : لا أستطيع حصر الأسباب الكامنة وراء ارتفاع أسعار العقارات , ولكني أذكر عددا منها حسب خبرتي في السوق والتي أهمها قصور دور المؤسسات الحكومية المعنية بشؤون عقار السكن كالمؤسسة العامة للإسكان وهيئة الاستثمار والتطوير العقاري والتي عجزت عن مواكبة حاجة السوق العقاري في سورية تبعاً لتزايد عدد السكان وحاجة السوق ,وضعف القدرة الشرائية للمواطن السوري بسبب تدني الرواتب وعدم وجود مؤسسات إقراض حقيقية تساعد المواطن على امتلاك منزل في ظل القيود المفروضة على المصارف فيما يتعلق بالتسليف السكني من أجل امتلاك منزل ,وغياب شركات الرهن العقاري التي تساعد في تنشيط سوق العقارات ومساعدة المواطنين على امتلاك مسكن الذي بات حلما لأغلب المواطنين, ولتجاوز هذا الواقع يجب تنشيط دور الجمعيات السكنية التعاونية, فعملها يعتبر مكملا للمؤسسة العامة للإسكان وقد ساهمت الجمعيات السكنية في مرحلة الثمانينات من القرن الماضي في بناء معظم المدن الحديثة في سورية وتأمين السكن الاجتماعي بسعر الكلفة, لذلك بات من الملح اليوم دعمها من خلال توزيع الأراضي عليها من قبل الدولة, وهذا يحد إلى حد ما من ارتفاع أسعار العقارات ومن الضروري في هذا المجال العمل على توفير الأراضي المعدة للبناء لكافة مشاريع الإسكان ,وتذليل الصعوبات المعيقة لذلك والتركيز على توحيد المرجعيات التي تعمل في قطاع الإسكان أو تشرف عليه والتدخل لضمان ثبات أسعار مواد البناء وأجور اليد العاملة في هذا القطاع، والسعي إلى خلق جهات تمويل عبر تدفق رؤوس الأموال للقطاع والذي يسهم في خفض أسعار العقارات
أخيراً
من هنا نرى أن هناك أسباباً غير موضوعية تقف وراء أسعار العقارات الفلكية ليس في حمص وحدها بل في سورية لذا يجب اتخاذ مجموعة من الإجراءات الاسعافية من قبل الحكومة التي من شأنها المساهمة في خفض أسعار العقارات والتي يجب أن تبتعد عن منطق الروتين والفساد لتحقق نهوضاً اقتصادياً وإعادة دوران العجلة الاقتصادية لتحقيق شفاء هذا القطاع الهام والذي يشكل جزءاً هاماً من الاقتصاد السوري ويمس حياة معظم المواطنين السوريين وخاصة الشباب …
تحقيق :بسام عمران -علي عباس