لعل القارئ أو الناقد الذي يريد التحدث عن رواية – رقصة حواء والمطر- للأديبة دعاء فاضل بطيخ يبدأ من الأسطر الأخيرة للرواية حيث جاء في ص (163)
(رحلت جلنار لترسم بسقطتها الأخيرة رقصة حواء والمطر رقصة نسجت بكل حب ووفاء ومغفرة وتغلغلت بها صحوة لقلوب كثيرة رحلت ويبقى لحضورها أثر لا يمحى كما كان له حضور دائم عطاء وغفران لا ينتهي سمي الحي بـ –حي السلام – الذي يتذكر روحها التي لم تعط إلا السلام والدفء والعطاء ..!)
هي رواية المرأة (جلنار بشكل رئيسي وهي أيضاً إلى حد كبير رواية الرجل – مطر – اللذان رقصا معاً رقصة الحياة والموت .
حب أشبه بالعذري يتوج بالزواج وأحداث الرواية تتقاسمها مدينتان هما –حلب –موطن البطلة و- دمشق – حيث البطل وللمكانين هنا حضور باذخ في الجمال والدهشة والدفء ينعكس على مشاعر الشخصيات وحيواتهم والمدينتان بما تمثلان من تاريخ وحضارة لهما في بطولة الرواية دور هو ما نطلق عليه (بطولة المكان في الرواية )
من حلب تنتقل البطلة جلنار – إلى دمشق حيث الزوج – مطر – وفي دمشق تبهرها الحارات القديمة ومقهى النوفرة كما تبهرها الموسيقى والغناء في حلب فالرسائل المتبادلة بين الحبيبين من عام 2007 وحتى عام 2017 …و بفارق سنة واحدة يموت مطر بمرض عضال ثم تلحق به بعد عام –جلنار –
ولعلنا هنا نستعرض بعض علامات التقنية الروائية عند الأديبة دعاء بطيخ وهي:
-عتبات الفصول تمهيد وتشويق
تبدأ الفصول في الرواية بوصف الشخصيات وأحوالها ومشاعرها مما يمهد لعرض سلوكهم وأقوالهم وأفكارهم ودورهم في دفع الأحداث نحو الأمام وهذا الوصف التمهيدي يوظف لصالح الهدف الفكري للسرد ،بشكل مشوق يبدأ الفصل الثاني بهذا التمهيد (ص 17)…
“كالعادة الدائمة التي تضع نفسها بها توسدت في فراشها المعتاد بعد أن أرهقت من المسير في غرفتها لساعات طوال والوقوف أمام نافذتها المعتادة شاردة بين أحلام ولت وذكريات مضت وهي معدومة الحياة فاقدة لروحها وصمت المنزل تقف أمام المرآة وترى نفسها شبحا”ً
وثمة وصف للطبيعة المظلمة وانقضاض الوحوش وهذا يمهد لما بعده من تفاصيل السرد الروائي .
-الثنائيات الضدية
للثنائيات الضدية وهي الثنائي من الأشياء ما كان ذا شقين والقول بزوجية المبادئ المفسرة للكون كثنائية الأضداد وتعاقبها وهي كون الطبيعة ذات مبدأين وعلاقة التضاد هنا هي المقصودة.
واستخدام هذه الثنائيات يثري اللغة والفكرة في السرد الروائي ويعطي نكهة وتلويناً وإدهاشا للنص .
نقرأ (ص 181) “البشر يعملون يتصالحون يتشاجرون عرس هنا وحزن دفين هناك ونقرأ (ص 29) “نحلم بعشق يحمل الألم قبل السعادة والبكاء قبل الضحك والحزن قبل الفرح ..ترى في موتها حياة تحيا الألم لتشعر بالسعادة ترى السواد بياضاً …”
وتعكس هذه الثنائيات الضدية حال الشخصيات وضياعها وترددها في لحظة ضعف كما تعكس قوتها وتماسكها في لحظة تالية وهذا حال المجتمع بشكل عام .
-التكثيف اللغوي
الجملة القصيرة والقصيرة جداً في السرد الروائي تعطيه دفعاً وانسيابا وتسهل الفهم والمتابعة لدى القارئ عكس الجمل السردية الطويلة فالكلمات المختارة بعناية بجمل بسيطة تقتصد بالكلمات دون المساس بالمعنى المراد نقرأ (ص 32)
“أفاقت من شرودها لتصرخ …انهارت بالبكاء وأجهشت بدموعها غاصت لتريح روحها قليلاً أخذت تتذكر ….!!
– المرأة التي تقول كل شيء
البطلة جلنار والسارد يتحدث عنها بشكل رئيسي فيعطيها أكثر من سبعين بالمئة من الحضور والكلام والفعل فهي حاضرة في أغلب الصفحات ولا يخفي الراوي تحيزه لها وإعجابه بها فهي تحكي عن نفسها وعن مطر وعن كل الشخصيات وهي نموذج المرأة الذكية الفاعلة.
وثمة ملاحظة هامة هي أن/جلنار/ البطلة تتقاسم مع الكاتبة دعاء فاضل بطيخ هوايتي /الرسم والكتابة /وعندما تتعرض لمرض انفصام الشخصية تطلق على نفسها /ورد /لكن شخصيتها متطابقة مع /جلنار /.
-شخصيات محدودة
لا يتجاوز عدد شخصيات الرواية عدد أصابع اليد الواحدة وهذه التقنية الروائية لا تشتت انتباه القارئ وتتعبه في متابعة الشخصيات الكثيرة .
ولعلنا ننهي الحديث عن الرواية بالقول: إن شخصيات الرواية تنتمي لمجتمع التجار والناس الارستقراطيين المثقفين لكنهم من جهة أخرى وطنيون بامتياز وعشق الوطن يمنعهم من مغادرته عندما يعصف الإرهاب الكوني به وهذا التمسك بالوطن يظهر دائماً على لسان الشخصيات “مطر في كل وجوه فتيات الشام وسورية ….وجلنار سورية الدم “ص72
ونقرأ ص105..
/تنغمس أرواحنا بين مكان ولدنا فيه ومكان أحببناه”
أسرع بالعودة إلى حلب لأن قلبي يخفق شوقاً ..وبعد زمن قصير يأكله الشوق للشام….
عيسى اسماعيل
.