الأديبة غادة اليوسف : أدب التراسل غني و جميل… نشرت رسائلي مع يوسف سامي اليوسف وفاء له… على الأديب أن ينحاز إلى قيم الحق
بدأت من القصة القصيرة فأصدرت (العالم السفلي , أنين القاع ,على نار هادئة ) ثم أغراها الشعر فأصدرت (نبض التراب , وحدك الآن , ) ولها في النقد (قراءة معاصرة ) جمعتها صداقة أدبية مع الناقد الفلسطيني الراحل يوسف سامي اليوسف و تبادلت معه الرسائل التي نشرتها في كتابها (سدنة الاغتراب –رسائل يوسف سامي اليوسف و غادة اليوسف) الكتاب الذي لفت الأنظار لأنه يستدعي للذاكرة كتاب(رسائل غسان كنفاني إلى غادة السمان.التقيت الأديبة غادة اليوسف و سألتها:
س1- سؤالي الأول عن كتابك (سدَنةُ الاغتراب _ رسائل يوسف سامي اليوسف _غادة اليوسف)..ما أهمية هذه الرسائل ؟
ج1- كتابي (سدنة الاغتراب) الصادر عن الهيئة العامة السورية للكتاب وينتمي إلى جنس أدبي اضمحل وهو أدب التراسل ..وهذا الخبو لهذا الجنس الأدبي الجميل والهام له ما يبرره بسبب ما وفّرته وسائل الاتصال الحديثة بكل إيجابياتها ..وثورة التواصل التي صادرت الكثير من جماليات الكتابة و حميميتها في آن..تأتي أهمية هذا الكتاب من كونه يكتنز بين دفتيه كل ما اضطرم في وجدان وعقل الناقد الكبير يوسف اليوسف.إذ.تتضمّن هذه الرسائل رؤى وقناعات ومواقف من الأدب والفلسفة وتعبّر عن موقفه من كل ما يجري على الساحة الفكرية والثقافية .
وكم هو مضحك لدرجة المرارة حين يشبّه مدّعٍ تلك الرسائل بالرسائل التي ظهرت في الآونة الأخيرة بين الأديبة غادة السمان والأديب الفلسطيني الراحل غسان كنفاني ..إذ لا وجه للشبه بالمطلق..لأن ما ربط بين غادة السمان وغسان كنفاني هو علاقة حب .بين شابين أديبين..بينما أنا ما ربطني بالراحل يوسف اليوسف هو علاقة المريد بشيخه ..وهي علاقة ربطته بأهم الأسماء الأدبية على الساحة السورية ..إذ كان بيته محجاً لهم ..ينهلون من معارفه الواسعة ويتتلمذون على رؤاه في الفلسفة والتصوف ..والشعر ..والنقد..والأهم من كل هذا وذاك أنني نشرت هذه الرسائل وفاء له ونزولاً عند رغبته في أن لا أهملها بل تمنى عليّ في إحدى تلك الرسائل جمعها في كتاب ..فأوفيت بوعدي…وأقول لمن يشبّه هذه الرسائل برسائل السمّان وكنفاني : أرجو منك أن تقرأ (سدنة الاغتراب) ..كي لا تهرف بما لا تعرف ..تبجحاً وخفّةً..وادعاء معرفة .
س2 كتبت القصة القصيرة والشعر..أين تجدين نفسك؟؟هل أنت قاصة تهوى الشعر؟
ج2-أراني موزَّعة بين كل هذه الأجناس الأدبية …بدأتُ ككل أهل القلم بالشعر .لأنه طريقنا إلى ذاتنا بوحاً لا نتوخى منه انتزاع اعتراف ومن ثم وربما بسبب انغماسي بقضايا الإنسان المتعب رأيتني منغمسةً في المقالة السياسية الاجتماعية التي لها خصوصيتها ، والتي أكتبها من غير قصد بأسلوب أدبي ..وشعري ..وبقالب قصصي ..ما حدا بالكثير من الأدباء والنقاد أن يقولوا: «هذه المقالة قصة متكاملة ناضجة»ومنهم الناقد الكبير الأديب الفلسطيني الراحل يوسف سامي اليوسف ..فكتبتُ القصة ..وكانت مجموعة (في العالم السفلي) التي حازت على التقدير الذي أذهلني ، حيث بلغ ما كُتب عنها ما يعادل كتاباً .. وهي مجموعة قصصية تنغمس في عوالم المقهورين المُهمَّشين ..الذين لا يعبأ بهم أحد ..والذين يشكلون مادة الحروب وضحاياها..والأكثر تأثراً وانسحاقاً تحت وطأتها.
الأطفال في يتمهم ..فقرهم ..إعاقتهم) كقصة (المنديل) التي قال عنها أحد النقاد أنها من أرقى ما كُتب في عالم القصة القصيرة عالمياً .. ..المُدرِّسة ..المرأة في حالاتها ..ازدواجية المثقف بين انتماءاته الفكرية التحررية وبين حقيقته الذكورية الاستبدادية .بعد النجاح الكبير لقصصي تابعتُ في عالم القصة فأصدرتُ مجموعة (على نار هادئة) ومجموعة (أنين القاع) وكلها قصص تتمحور حول الإنسان في حمأة تقلبه في بؤس العالم ..أما الشعر فهو الترحّل صوب الذات ..وتسكبها صوب الكون ..بل ..هو قراءة العالم وبثّه ما في الروح ..تدفّق ما في أكوار الوجدان ..وهو حاجة للذات ..ورسالة تواصل مع الأعماق المتنافس عليها بين الظلمة والنور ..الشعر هو الماء ..حامل الحياة المتغلغل في كل شيء لتزهر وتشتعل ..وتضيء ..من الذات إلى الذات .
س3- يصف بعض المثقفين ..قصصك وكتاباتك بالجريئة..ما مفهوم الجرأة عند الكاتبة برأيك ؟
ج3- لا أفهم كيف للأديب أن يكون جباناً؟! وعليه أن يكون رائداً ..وفارساً نبيلاً رجلاً كان أم امرأة..والجرأة في هذا المعنى هي كل ما يتقحّم المتكلّس المتليّف..الشائخ في العلاقات والحياة والقيم..ليضخّ دماً جديداً ينعش القدرة على استمرار الحياة بتخطٍّ يليق بالحياة إرادة واقتداراً وكرامة..ولا حدود للجرأة في سرد ما يضمر السرد من معان ..على ألا تكون تلك الجرأة مرادفاً للابتذال..فالنص السامي الكامل هو النص القادر على أداء وظائفه : المعرفية والجمالية والتواصلية والتبادلية ..
س 4-كيف تقيّمين حضور المرأة الأديبة في المشهد الأدبي السوري بشكل عام ..لمن تقرئين من الأديبات؟
ج4- للمرأة الأديبة في المشهد السوري حضور كثيف ..من حيث الكم ..وحضور ضحل من حيث النوع..وثمّة أقلام نسوية مبدعة حقيقة ..ولكنها قليلة وذلك في شتى مجالات الأدب ..في القصة القصيرة ..في الرواية ..في الشعر..إلخ..على أن ظاهرة باتت تتهافت عليها الكاتبات بشكل ملفت وهي الإقبال على كتابة ما يسمى (قصيدة ) النثر..مستسهلات هذا النوع ..حين يتحللن فيه من الوزن ..فيركبن موجته الصاعدة ككل ما صعد من أمواج ..حتى بتنا نختنق من غثاء كلامي ..وسيلان لغوي ..لن يكتب له البقاء إن بقي الحال على ما هو عليه ..من حق كل إنسان أن يكتب ما يشاء وكيف يشاء على ألا يكرّس ذلك ..بل أن يوضع كلٌّ في حجمه ومكانته العادلة ..وفق ما تمليه قيم الجمال والذوق ..مشكلة معظم الكاتبات اليوم هي الاستسهال..والسعي إلى الشهرة .
س5- لماذا تصرين على وضع صورتك على أغلفة بعض كتبك ؟!
ج5- الجمال هبةٌ بل نعمةٌ سماوية ..أشكر الله عليها..والوجه هويّة أيضاً ..ولستُ بدعاً حين أضع صورتي على أغلفة كتبي ..فهذا ديدن كثيرين وكثيرات من الأدباء والكتّاب: نوال السعداوي..محمود درويش..أدونيس..غادة السمّان..أحلام مستغانمي ..علوية صبح..عبد الرحمن منيف..وغيرهم وغيرهن كثيرون وكثيرات..جمال وجهي ليس دافعاً لأضع صورتي على الغلاف ..بل الدافع هو تأكيد ملكيتي وحقي فيما يصدر لي خاصة وأن اسمي حتى في حدود مدينتي مماثل لأسماء كثيرة ..والتخوّف من السرقة هو أحد هذه الدوافع..
س6- أغلب الأدباء يتّهمون النقد بالتقصير ..أنت ماذا تقولين؟
ج6- النقد .. ثمّة ظاهرة بدأت تعلو وهي ظهور (نقّاد وناقدات) لا علاقة لهم ولهن بالنقد من قريب أو بعيد..ولكنهم استطاعوا عن طريقة الاستفادة من كرم (غوغل) وكيسه المفتوح كغارفٍ وسارق ولص ولصّة أن يتحوّل إلى ناقد روائي أو…عن طريق اللطش وتجيير النصوص بما يناسب نصاً يريدون له الظهور ..والسبب علاقات و شلل ..ومنافع متبادلة ..بينما النقد له أسسه ومدارسه وأدواته
س7- ما أعمالك القادمة؟؟
ج7-إنها الرواية …وخاصة رواية السيرة الذاتية ..سيرة بلاد من خلال سيرة امرأة .
عيسى إسماعيل