الرواية الثانية عشر للروائي عبد النبي ملوك التي صدرت قبل أشهر، حملت عنواناً لافتاً هو (سيرة آل الحكمدار) ,وهذا العمل يمكن أن يصنف تحت عنوان ( الرواية التاريخية ) أو (رواية ما بعد الإيديولوجية ) التي تتمثل في سقوط المثل ، والإقطاع والرأسمال، فهذه الرواية تتحدث عن أفول الإقطاع المتمثل بأسرة (الحكمدار) التي هي الأسرة الأهم من أسر الإقطاع في محافظة حمص ، التي تجري أحداث الرواية فيها … والحكمدار والسلمدار والفتردار والعلمدار أسر إقطاعية تتحكم بكل شيء ، والفلاح خاضع لها وهي تملك الناس والبيوت والأراضي والمواشي وكل شيء .
آخر سلالة الحكمدار هي / خانم الحكمدار/ التي تعيش لوحدها بعد أن غادر أفراد الأسرة إلى الخارج فعاشوا في أمريكا ، وتركوا لها بيتاً واسعاً ، ويمدونها بالمال ، هذه الأسر الإقطاعية جاءت مع الاحتلال العثماني ، وأعطاها الباب العالي إقطاعات وأراض واسعة لها كل إنتاجها وللفلاح ما يسد رمقه .
اللافت هو أن بعض الأحداث حقيقية وتدل على فظائع الإقطاع… مصطفى الحكمدار يغري الخادمة، فينال منها وطرا ً وتحمل سفاحا ً لتلد ابنة جميلة مثلها ( عند أهلها في القرية) تسميها (هانم) لأن الإقطاعي بعد عامين يعيدها إلى منزله ويتبناها ويسجلها باسمه واسم زوجته الخانم الكبيرة ، أما أمها فطومة فتتزوج من قروي .
سائس الخيل هو شقيق فطومة ، وهذا معناه أنه (خال) هانم الصغيرة لكن هذا يبقى سرا ً أما لماذا قبلت (الخانم الكبيرة) تسجيل ابنة فطومة على اسمها فهو مقابل أن يصفح عنها مصطفى باشا، زوجها ، لأنها خانته مع أحد الضباط الفرنسيين على مبدأ (خيانة بخيانة) .
ثمة حادثتان لا تزالان ، إلى اليوم يتناقلهما الناس في ريف حمص الغربي وقد وظفهما الروائي عبد الغني ملوك في روايته ، وهما قضية إحدى الصبايا الجميلات جداً التي أراد الإقطاعي أن ينال منها ، فهربت إلى منزل “خليل العيشة ديب ” في السنديانة الغربي ، فحماها وأجارها وهدد بإطلاق النار على من يقترب منها وهي في منزله، وكان رجلا ً شهما ً ، مضيافا ً ، وقويا ً… كَمن له رجال الإقطاعي وأطلقوا النار عليه فأصبح أعمى طيلة عمره،والحادثة الثانية تعرض لها أحد الفتيان في إحدى القرى عندما أراد الإقطاعي أن يفترسه ، فأخذ الغني سكيناً كانت في صحن الفواكه قربه، وطعن الإقطاعي فمات ، وفر الفتى مع أسرته ( وقد توفي هذا الرجل قاتل الإقطاعي قبل سنوات.
ينتهي عهد الإقطاع، الذي يحاول بشتى السبل الاستمرار في الهيمنة والحكم ، وتأتي عهود الانقلابات العسكرية في سورية، ثم تأتي ثورة الثامن من آذار لتنصف الفلاح فيصبح مالكا ً للأرض.
“الهانم” لم تتزوج ، تموت وحيدة يشك بأمر موتها في منزلها الكبير، يبدأ التحقيق وتفتيش منزلها فيعثرون على مذكراتها التي تروي فيها فصول هذه الرواية الهامة التي توثق أحداثاً بعضها حقيقي، وهي مثيرة وأسلوبها السردي بسيط وممتع، وقد صدرت أواخر السنة الماضية .
عيسى إسماعيل