أوقف دبابته الحبيبة إلى يمين الطريق للاستراحة وليتناول بعض الطعام بعد أن عاد من إحدى المهمات الموكلة له مع مجموعة من رفاقه للقضاء على مجموعة تكفيرية قامت بمجزرة رهيبة في إحدى القرى .. .!! توجه رفاقه الى دكان صغير لشراء بعض السجائر و العصائر الباردة أما هو فقد توجه إلى فلاحة تقوم بالخبز على تنور بدائي بسيط بجانب شجرة ضخمة وارفة الظلال ..,ألقى التحية عليها وتوجه إلى كرسي خشبي عتيق وجلس عليه وتناول إبريق الماء من فوق طاوله خشبية متآكلة ! تذكر قريته الوادعة التي غادرها منذ بدء الحرب الهمجية ولم يعد إليها ,وذكرته هذه الفلاحة البسيطة بأمه , بلباسها البسيط ووجهها المتورد , …أمه التي تمضي طوال يومها بالخبز والطبخ وأعمال البيت والحقل ولا تجلس على الأرض حتى ينتهي النهار !.. توجهت إليه الفلاحة متهللة الأسارير وكأنها تعرفة منذ زمن ورحبت به بحرارة بالغة وقدمت إليه عدة أرغفة من الخبز الساخن الشهي وصحن من الزبدة والشنكليش وقالت له : أكيد أنت جائع ..هذه الأرغفة لك يا بني وأتمنى أن تأكلها بالهناء والشفاء و أن تعتبرني مثل أمك وهي ضيافة مني لك لأنني أعتبرك كابني إسماعيل الذي يلبس مثل لباسك العسكري ويحارب الإرهابيين ..لقد دمر هؤلاء المجرمون البشر والحجر والشجر , شكرها و تناول ما قدمته له الفلاحة بشهية بالغة وبسرعة وبخفة ..حاول أن يعطيها ثمن ما أكله وأصر عليها مراراً دون جدوى, .! خاطبها مازحا :سأكتب في وصيتي أن أدفن تحت هذه الشجرة الرائعة لأتنعم بهذه النسمات العليلة ! وسأوصي أن يكون قبري بشكل دبابة لأنني أحب دبابتي لدرجة العشق … أحادثها وأسامرها كصديقة وفية ..!!..مارأيك هل تقبلين ؟؟ . قالت له: «بعيد الشر عنك ياولدي بحطك بعيوني وبقلبي ..! لكن إن شاء الله ترجع لاهلك منتصراً.. لقد فتحت لك أبواب قلبي المغلق مذ غادرنا ولدي إسماعيل .. كان ولدي أمامي .. !! أنت لا تعرف ولدي إسماعيل ..!..إنه شاب طيب جداً يشبهك كثيراً .حبة قلبي .. لم يحضر للقرية منذ أكثر من عام وخطيبته بانتظاره ليحددا موعد عرسهما. ودعها بحرارة وأومأ لها بيده وهو يدير محرك دبابته وارتفع ضجيجها وأومأت له بيديها وخاطبته قائلة :لا تنس يابني أن تسلم لي على ولدي إسماعيل إن واجهته ,وليحفظك الله يا ولدي وأعادك إلى أهلك بسلام . .. لم تمض عدة أيام.. وبينما أم اسماعيل تخبز الخبز كعادتها سمعت صوت موكب لشهيد فتوقفت عن الخبز وراقبت مرور قافلة الشهيد وترحمت على كافة الشهداء وتمتمت وحدقت بصورة الشهيد التي وضعت في مقدمة سيارة الإسعاف وأصابتها الدهشة والمفاجأة ..ياإلهي إنها صورته !!ليتني أستطيع إيقاف موكب الشهيد وإخبار المسؤول عن الموكب أن الشهيد كان يتمنى أن يدفن تحت ظلال هذه الشجرة !! ليتهم يفعلون !!ليتهم يحققون له ولي هذه الأمنية ..ليتهم يفعلون !! .ليرحمك الله يابني ..ليرحمك الله أيها البطل…
إبراهيم علي جنيدي
إبراهيم جنيدي
المزيد...