في حوار مع الكاتب فراس دياب عضو اتحاد الكتاب العرب و سؤالنا له هل انتهى زمن الشعر ؟ هل لم تعد ثمة حاجة إليه ؟ فأجابنا بالقول : صرنا نسمع مثل هذه الأسئلة يطلقها كثير من الناس والمثقفون منهم ويجيب بعض النقاد أن هذا العصر هو زمن العمل وليس زمن العواطف والأحلام إنه عصر السعي المحموم وراء الربح أو العمل المضني من أجل الرغيف وأما علاقات البشر مع بعضهم فقد أضحت علاقات مصالح وأعمال وذبلت العاطفة والمحبة والنخوة ومشاعر القربى والصداقة والجوار وغطتها طبقة سميكة من هباب المصانع وغبار المدن المزدحمة حتى لاتعطل السعي المنتج للفائدة المادية لأن مثل هذه العواطف لاجدوى منها في مجتمع تسيطر عليه أخلاق السوق وقيم التجارة وعلاقات الربح والمصلحة ولقد استبدل الناس حياتهم البسيطة الهادئة بحياة صاخبة معقدة تخضع لأنظمة عديدة معقدة فأضحت حياة الناس روتينية آلية فهذا الواقع القاحل لاسيما واقع المجتمعات فوق الصناعية أنتج بشرا ً يعانون من الاستلاب ويبددون أوقاتهم وأنفسهم في كل لحظة حتى أضحوا بلا عاطفة وبلا خيال وحين تصبح الأرواح بوادٍ مظلمة لايمكنك أن تدعوها للإيمان بالشعر.
هل الشعر ضرورة
ولكن ثمة مفكرون يرون أن هذه الحالة المزرية التي وصل إليها الوضع الإنساني لاتلغي ضرورة الشعر بل تزيد من الحاجة إليه فالشعر في هذه الحضارة هو عزاء للبشر الذين هدرت إنسانيتهم وسحقوا بالآلة والروتين .
انه بلسم للنفوس المبددة بالوحدة والسأم وهو سلاح مجد يغذي الروح الإنسانية ولذلك يكتب الشعر في هذا العصر أكثر من أي وقت مضى كمهمة حيوية ضرورية مهمة لكنس الموت المتراكم في أعماق البشر ودحر العتمة من عقولهم ولابد أن يحرر الأخيلة السقيمة من عقالها وأن ينبت لها أجنحة سحرية خفاقة تحملها إلى آفاق زاهية لامتناهية ثم تحط بها في جنات رحبة لعوالم مدهشة وهو ضروري أيضا ً كي يلهب العواطف الخامدة وكي ينفخ روحه بالقلوب الكليلة فتخفق نظيفة قوية بالعافية والهناء وتعلي شأن الحب الإنساني الشامل الذي يهب الفرح والهناء والراحة والسلام لروح الإنسان ولطالما برهن الشعر طيلة التاريخ ولدى كل المجتمعات على أنه جدير بأن يسمو بالنفس الإنسانية فوق العابر والعادي وفوق الضآلة والإهمال والوحدة والسأم وفوق الخسة والجبن بل فوق المرض والموت انه قادر على أن يهبنا الفرح الداخلي العارم والمجد الذي يليق بروح الإنسان هذه هي مهمة الشعر وهذا هو الشعر العظيم
العاطفة تواكب العقل
ويقول دياب وثمة من يزعم أيضا ً أن اكتشافات العقل تكبت اندفاعات القلب ولذا فإن العاطفة لم تعد قادرة على مواكبة الظواهر المستجدة للتكنولوجيا .هذا كله يجعل الشعراء في هذا العصر أقل قدرة وموهبة على الإحاطة بطبيعة عصرهم من شعراء العصور السابقة وبالتالي فهم غير مؤهلين ليعبروا عن روح هذا العصر لكن الشعر ومعه الفن أيضا ً قد برهنا في عصور ماضية على أنهما قادران على استيعاب الظواهر الطبيعية و الاجتماعية ويوجد آلاف الأمثلة التي تشهد أن الشعر العظيم والفن الرائع كانا يسبقان الاكتشافات العلمية دائما ً في استشراف المستقبل وإن الشاعر العظيم قادر بثقافته العميقة الشاملة وبحسه المرهف وبقلبه الطافح بالحب الكوني أن يحيط بعصره وأن يتمثل روح معاصريه لذلك فهو قادر على تجاوز المآزق وليس كل شعراء العالم معزولين عما يجري من تطورات مجتمعية وعلمية .
علي عباس
المزيد...