(ليكن غذاؤك دواؤك…وعالجوا كل مريض بنبات أرضه فهي أجلب لشفائه) ,إحدى مقولات أبقراط (أبو الطب) الشهيرة التي كانت بوصلة عمل طبي لمئات السنين , ثم جاءت الأساليب الأكاديمية التي تعتمد على الدواء المصنّع بشكل مدروس و دقيق و دراسة كل صنف لخمس سنوات على الأقل لبيان تأثيراته الجانبية, و ظهرت العديد من الأصناف التي تدخل في تركيبتها الأساسية أنواع من المواد العشبية ,ولأن سورية بشكل عام تتميز طبيعتها بغنى وتنوع كبيرين كانت ولاتزال الموطن الأصلي لأنواع كثيرة من الأعشاب والأزهار والنباتات البرية التي تستخدم في مجال العلاجات الطبية…
أنواع متعددة
(العروبة) تسلط الضوء على واقع زراعة النباتات الطبية و العطرية في المحافظة ,و بحسب مهندس زراعي متخصص فإن النباتات الطبية مختلفة الأنواع ومنها تستعمل كاملة أو يستعمل جزء منها في النواحي العلاجية وذلك لاحتوائها على مادة طبية أو أكثر تكون قادرة على علاج مرض معين، أو تقليل الإصابة به، وأصبحت تدخل في الصناعة الدوائية بأصناف كثيرة.. وبشكل عام هناك نوعان من النباتات الطبية نوع تتم زراعته ونوع بري ينمو تلقائياً في بعض مناطق المحافظة , وطبيعة المناخ المعتدل صيفاً والبارد شتاءً والغني بالأمطار سنوياً – بشكل عام – منحت المنطقة تنوعاً بيئياً انعكس في تشكيلة غنية من النباتات العشبية البرية ذات فوائد طبية والتي ساعدتها طبيعة المنطقة الجبلية الوعرة أو البادية وبعدها عن التلوث الصناعي بالبقاء والتكاثر مشيراً إلى أن من أهم هذه الأنواع وأندرها في سورية
و أضاف : تختلف النباتات الطبية والعطرية حسب الجزء المستخدم منها فبعضها تستخدم أوراقه مثل الريحان و أخرى تستعمل جذورها مثل الزنجبيل أو اللحاء مثل القرفة أو الأزهار مثل البابونج أو البذور و الثمار مثل اليانسون و الكمون
من أفضل الأنواع عالمياً
أبو دحام وهو أحد العطارين المشهورين في الريف قال :أدى التنوع المناخي و الجغرافي في سورية إلى تنوع الغطاء النباتي فيها مما أفسح المجال أمام الطب النباتي أو ما يسمى بالطب الشعبي ليكون رائداً في سورية على مدار الزمن ,لكن مازال الاهتمام بها على المستوى الشخصي من بعض المهتمين من مهندسين زراعيين، أو خبراء بهذا الشأن ورثوا المعلومات عن الآباء و الأجداد..
وتحدث عن عشبة الشنان التي تحتوي على الانابازين التي تستخدم كمنشط للجهاز التنفسي أما نبات الشيح العشبي الأبيض فهو يفيد في طرد الديدان كما يستخدم في علاج آلام المعدة وتخفيض نسبة السكر في حين أن مغلي أوراق عشبة السوسن تفيد في علاج الربو والتهاب القصبات و السعال الديكي وفي علاج الروماتيزم والتسمم وفي صناعة العطور وعشبة الختمية التي يستخدم مغلي جذورها لمعالجة السعال كما تستخدم كمادة ملطفة وملينة للأغشية المخاطية المبطنة للمجاري التنفسية وتستعمل بشكل غرغرة كمطهر للفم و اللثة و تخفيف آلام الأسنان .
أما عشبة القبار فتتمتع بذورها و قشورها بخواص ملينة فعالة في علاج حالات الإمساك والمغص الكلوي وتدخل بذورها في تصنيع أشربة السعال و التهاب القصبات عند الأطفال إلى جانب فوائدها في المحافظة على نسبة السكر وخفض نسبة الكوليسترول ,ولنبتة القبار فوائد كثيرة لعلاج جسم الإنسان، منها لعلاج الاضطرابات في الجهاز الهضمي، وتنظيف الكلى، وعلاج أمراض الروماتيزم وحالات فقر الدم لأنها غنية بالحديد كما تستخدم على نطاق واسع في معالجة حالات تصلب الشرايين ومنشطة لعمل الكبد وتناولها يؤدي إلى تحسين الدورة الدموية ، كما أن مستقطر جذور القبار يستخدم في صناعة وتكوين المستحضرات التجميلية ويفيد في معالجة التهابات الجلد والحساسية..
وأضاف : يعتبر الزعتر السوري من أفضل هذه الأعشاب الذي يستخدم مغلي أوراقه لقتل الجراثيم و السموم في الجسم كما أن عسل الزعتر مضاد للسعال و مهدئ للقرحة و مطهر ويساعد في حالات الضعف العام.
مورد جيد
إحدى السيدات من ريف حمص الشرقي في قرى المخرم تمتهن جمع بعض النباتات العطرية و بيعها للعطارين مشيرة إلى أنها تعلمت من أمها عن جدتها و هي مصدر رزق لابأس به يعينها على صعوبات الحياة وتعمل في جمع الأعشاب البرية أن العمل في هذا المجال ليس بسيطاً وهو يتطلب جهداً كبيراً لكون أغلب هذه الأعشاب تنمو في مناطق وعرة , كما أن الحصول عليها ومعرفة الأنواع المفيدة منها يحتاج إلى قواعد محددة يجب التقيد بها,ومن بين هذه القواعد التي تتحدث عنها ضرورة أن تكون النبتة برية مع معرفة مسبقة للأجزاء التي يمكن الاستفادة منها والوقت المطلوب لعملية القطف والجمع دون شوائب وتطبيق طرق التجفيف المثلى وحمايتها من الآفات الحشرية التي قد تتعرض لها في مرحلة ما بعد القطاف .
مواقيت محددة
وأوضحت أن لكل جزء من الأجزاء التي تتألف منها العشبة أزهار وأوراق وقشور وجذور وأبصال وثمار طريقة وتوقيت محددا فمثلاً عند قطف الأزهار يجب أن تجمع مع بدء تفتحها صباحاً وتوضع في سلة يتخللها الهواء دون أي ضغط لأن هذا يعرضها للتخمر وفقدان فوائدها ,أما جمع الأوراق فيكون بعد الظهر حيث تكون قد تشبعت من أشعة الشمس في حين يمكن أن تجمع الجذور والأبصال عند جفاف العشبة لأنها تكون مخزنا للمواد المفيدة فضلاً عن أنه يمكن جمع القشور مع بداية فصل الصيف من أجل سهولة التقشير والتجفيف أما جمع الثمار و البذور فيتم بعد أن يكتمل حجمها ولا تحتاج الثمار للغسيل وإنما تنقى من الشوائب المختلطة معها وتنبه من أن التجفيف غير الكافي يؤدي إلى انتشار الفطور والبكتيريا في العشبة وبالتالي تضررها كما أنه لا يجوز غسل أي جزء من أجزاء العشبة بل يتوجب تركها في الظل لفترة ثم تعرض فيما بعد للشمس أو الهواء في أماكن مخصصة لهذا الغرض أو من خلال وضعها في أوان مصنوعة من القش أو المعدن حتى تجف عصارتها الداخلية ومن ثم يمكن تخزينها في علب زجاجية أو في علب مصنوعة من القش لاستخدامها أو لبيعها.
القبار.. نموذجاً
تعتبر نبتة القبار إحدى مصادر الرزق بالنسبة لكثير من المواطنين حيث يصل سعر الكيلو غرام الواحد إلى ألف ليرة سورية
وهو نبتة شوكية لها فروع عديدة مغطاة بالأشواك القاسية، أزهارها ذات لون أبيض وموسم تزهيرها طويل يمتد لخمسة أشهر ابتداء من شهر أيار , وينتظر الكثير من أهالي الريف الشرقي شهري حزيران وأيلول من كل عام للبدء بِقطاف نبتة القبار الشوكية، لبيعها في الأسواق بهدف تأمين قوت عيشهم، وتأمين فرص العمل..
وذكر مواطنون من ريف حمص الشرقي أن دخل بعض الأسر يعتمد على عمليات قطف القبار في فصل الصيف حيث تنتشر ورشات لشراء ثمار القبار ممن يقومون بجمعه من حقولهم الزراعية، أو من الجبال والأودية، ويقوم صاحب الورشة بجمع وفرز الحبات, والتي تشبه ثمار الزيتون من حيث اللون والحجم،و وضعها في براميل كبيرة تحتوي على الماء والملح لحفظها من التلف، ريثما يأتي تجار القطاع الخاص ,وهنا يكمن بيت القصيد في التساؤل عن غياب جهات القطاع العام عن الاستثمار في هذه النبتة ذات الجدوى الاقتصادية العالية ؟
مصدر للإزعاج سابقاً و للرزق حالياً
وتعد شجرة القبار حراجية مقاومـــة للجفاف، ارتفاعها يتراوح ما بين (50-100سم) عن سطح الأرض، تعيش في التربة الفقيرة جدا، تعطي أزهاراً وردية بيضاء كبيرة وجميلة، وثماراً عنبية ذات لون أخضر قطرها من 2,5 إلى 4 سنتمترات، وبعد نضج هذه الثمار تنشطر كاشفة عن لُبّ أحمر لذيذ يحتوي على كمية كبيرة من البـذور.
يذكر أن شجرة القبار كانت سابقا تشكل مصدر إزعاج للفلاح في ريف حمص الشرقي، فلا يعرف كيف يتخلص منها، مرة باجتثاث جذورها، ومرة بحرقها، أما الآن فأصبح يهتم بها أكثر من اهتمامه بأشجاره المثمرة مثل الزيتون واللوزيات والكرمة، وذلك لمردودها الأعلى.
كنز حقيقي
الدكتور عبد المؤمن قشلق وهو اختصاصي بالأمراض الباطنية وخبير في أمور الطب المتمم قال: إن سورية يوجد فيها مورد اقتصادي مهم يوازي أهمية آبار النفط هي النباتات الطبية ,حيث يوجد أربع بيئات تنمو فيها مختلف الأعشاب الطبية التي تصدر إلى الغرب بأسعار بخسة لتعود إلينا كمستحضرات دوائية ,بداية من زيت الورد الشامي و الذي يباع كيلو الزيت منه بسعر 12 ألف دولار وليس انتهاءً بمختلف أنواع النباتات العطرية و الطبية البرية أو المزروعة…
وأضاف: ينمو في حمص عدد جيد من أنواع الأعشاب الطبية منها في البادية و منها أعشاب تخص المناطق الجبلية ..
مؤكداً أن نبتة القبار متوفرة بكثرة في حمص وتباع بأثمان بخسة عن طريق تجار القطاع الخاص حيث يباع الكيلو بسعر 300-400 ل.س كمادة خام قبل أن تتفتح الزهرات لتصدر إلى مصانع أوربا و يتم تخليلها بطرق بسيطة لتعود بعلب صغيرة وغالية الثمن مشيراً إلى أن هذه النبتة بعيدة عن أعين الاستثمار بشكل جدي إذ لو تم الاهتمام بها وفق خطة إستراتيجية مدروسة و بمساحات كبيرة لكان من الممكن قطف الكميات المطلوبة و ترك قسم آخر منها ليزهر وتوضع حوله المناحل ليتم إنتاج عسل القبار المميز ..
طرق بسيطة تدعم الاقتصاد فعلياً
وأضاف قشلق بأن افتتاح معمل واحد لحفظ براعم القبارعن طريق التخليل يؤمن الكثير من فرص العمل و يمكّن من استثمار هذه النبتة بالشكل الأمثل و بالتالي يمكن تصديرها للدول الأوروبية و تأمين حجم جيد من القطع الأجنبي ..
و تحدث قشلق عن نمو العديد من النباتات الطبية في بادية حمص منها الشنان و كف مريم, بالإضافة للنباتات الطبية المزروعة وهي مصدر هام جداً للمواد الأولية في شتى الصناعات الدوائية في الغرب …
تكميلي و ليس بديلاً
و أضاف: إحدى أهم الاقتراحات للنهوض بواقع الأعشاب الطبية في سورية هو إدخال طب الأعشاب كمادة درسية في كليات الطب و الصيدلة ليبقى موضوع تأمين المواد الأولية على عاتق العطار , وأن تنتشر ثقافة استعمال الأعشاب الطبية بالتزامن مع الدواء المصنع – بعد استشارة الطبيب المعالج – لاستكمال وتسريع العلاج, مؤكداً أنه لايوجد شيء اسمه طب بديل و إنما هو الطب التكميلي أو المتمم لأنه يكمل بعضه البعض
وأضاف: إن النباتات الطبية في سورية و في حمص على وجه الخصوص هي بمثابة كنز بحاجة للاستثمار المقونن , ونحن بحاجة لمشروع يعمل به خبراء متخصصون لأنه يؤمن مصدر دخل جيد جداً من القطع الأجنبي , وأشار قشلق لوجود خطط إستراتيجية في دول عديدة وهي المحافظة على جودة نباتات مماثلة بدءاً من زراعتها و العناية بها و قطافها و تجفيفها و عمليات التخزين والمحافظة عليها حيث تعتبرها من أهم مصادر الدخل الوطني وتمنع خروجها من البلاد كشتول , حيث تجفف في الظل وفق شروط فنية و بعلب ملونة بعيداً عن الشمس ومغلقة و غيرها من الشروط بأسلوب علمي ليس صعباً حد المستحيل و إنما قليل من الاهتمام و الدراية تكفي ..
أكثـر من 3500 هكتار مزروعة فعلياً
أما بالنسبة للمساحات المزروعة في حمص ذكر المهندس محمد نزيه الرفاعي مدير زراعة حمص أن كوادر المديرية تسعى للاهتمام بأنواع متعددة من النباتات الطبية و العطرية وفق الإمكانات المتاحة ومنها الكمون البعل والذي يزرع في مناطق الاستقرار الأولى و الثانية و الثالثة و يصل مجموع المساحة المخطط زراعتها إلى 1181 هكتاراً , زرع منها 1138 هكتاراً وكلها بحالة جيدة..
أما الكزبرة البعل فتزرع بمناطق الاستقرار الأولى والثانية وتبلغ المساحة المخطط زراعتها بهذا النوع 750 هكتاراً تمت زراعتها بالكامل وهي حالياً في طور الإزهار والعقد و بحالة جيدة رغم ظهور الديدان القارضة في بعض الحقول إلا أن المزارعين مستمرون بعمليات المكافحة بتوجيهات الوحدات الإرشادية للوصول إلى أفضل النتائج..
كما تحدث الرفاعي عن زراعة اليانسون المروي في حمص حيث تبلغ المساحة المخطط زراعتها 252 هكتاراً زرع منها 245 هكتاراً و في فترة محددة ظهرت بعض الديدان القارضة و عمليات المكافحة مستمرة..
أما بالنسبة لليانسون البعل فهو من الأنواع التي تزرع في منطقة الاستقرار الأولى حيث تبلغ المساحة المخططة 1303 هكتارات وتصل المساحة المزروعة فعلياً إلى 1351 هكتاراً و هي الآن في طور الإزهار و العقد , في حين تبلغ المساحة المخطط زراعتها بالشمرة المروية 15 هكتاراً زرعت بالكامل و هي بحالة فنية جيدة , كما تمت زراعة كامل المساحة المخطط زراعتها بالشمرة البعل و البالغة 24 هكتاراً في منطقة الاستقرار الأولى وهي في طور الإزهار و العقد.
بعيدة عن البحث العلمي!!
لابد من الإشارة أنه و بالتواصل مع البحوث الزراعية في حمص أشارت مديرة المركز الدكتورة بشرى خزام أن النباتات الطبية و العطرية بمختلف أنواعها بعيدة عن البحث العلمي حتى الوقت الحالي و لاتوجد أي تجارب مقامة في الأراضي التابعة للمركز لدراستها ,علما أن المهمة الأساسية للمركز هي الارتقاء بالقطاع الزراعي بشقيه النباتي و الحيواني وتحسين المنتج كماً ونوعاً إضافة إلى رفع إنتاجية الوحدة المساحية ولاسيما في الأراضي المروية ,حيث يعمل المركز في هذا الإطار على استنباط عدد من الغراس المثمرة التي تلائم بيئة المنطقة الوسطى و تقاوم الأمراض الفطرية و الحشرية , كما يعمل على إجراء عدد من الفعاليات البحثية بالتعاون مع الوحدات الإرشادية و الروابط الفلاحية إلا أن النباتات الطبية و العطرية وتحسين صفاتها الوراثية – رغم أهميتها – بعيدة عن أعين البحث العلمي حتى في مركز البحوث المتخصص ,علماً أن المركز يقع شمال مدينة حمص في قرية الدوير ويمتد على مساحة من الأراضي الخصبة و التي تبلغ بحدود 300 دونم تقريباً ..
أخيراً
تضم سورية كنزاً هائلاً من الأعشاب والأزهار والنباتات الطبية البرية المتنوعة غير المستثمرة إلا بشكل قليل وخاطئ وهناك فئة قليلة من جامعي الأعشاب لكنها غير مرشدة وغير مدركة للخطر الذي تتعرض له النباتات الطبية البرية بسبب نزعهم النباتات من جذورها وبكميات كبيرة ما قد يعرضها للانقراض بالإضافة إلى التعديات من جراء الزحف العمراني وحرائق الغابات وغيرها، لذلك يجب أن تكون هناك قوانين تنظم هذه العشوائية ويبرز هنا الدور المهم لإقامة محميات طبيعية لا تمتد إليها يد الإنسان إلا وفق نظم وقوانين خاصة ومنظمة.
هنادي سلامة