الحقوقيون جنود فاعلون في إعادة الإعمار.. رجال القانون في ملتقاهم الأول قضايا و مقترحات للنهوض بالإصلاح الإداري و الاقتصادي
ضمن نشاطاتها العلمية المتميزة أقامت كلية الحقوق ملتقى حقوقياً على مدى يومين متتالين بعنوان (الحقوقيون ودورهم في الدفاع عن قضايا الوطن وإعادة الإعمار) وذلك بمشاركة نوعية من باحثين محليين ..
تم التحضير للمؤتمر من خلال لجنة علمية يرأسها النائب العلمي لعميد كلية الحقوق ولجنة تنظيمية يرأسها النائب الإداري وتضمنت أعمال تحضير البروشور والتعاون مع العمادة وتحديد المحاور والأهداف و التواصل مع المتخصصين المشاركين في كل محور …
وفي تصريح للعروبة ذكر الدكتور محمد الحسين نائب عميد كلية الحقوق للشؤون العلمية أن التواصل كان مع الحقوقيين من مختلف الجامعات السورية وخاصة دمشق , وتوجت بمشاركة الأستاذ الدكتور عبود السراج و أ . د محمد الحسن رئيس مجلس الدولة سابقاً و أ . د سعيد نحيلي عضو المحكمة الدستورية العليا و أ. د محمد خير عكام عضو مجلس الشعب و أ . د محمود صرّان.
الإصلاح الإداري أولاً
و أضاف الحسين أن المحاور تركزت حول مواضيع أربعة وهي محور التشريعات الإدارية و الإصلاح الإداري , ومحور التشريعات المالية والمصرفية , ومحور التشريعات الجزائية ودورها في حماية المواطن , ودور الحقوقيين في حماية الوطن من الإرهاب وداعميه , ومحور القانون الدولي حول حماية الوطن من الإرهاب وداعميه من خلال وجهة نظر القانون الدولي و ميثاق الأمم المتحدة..
وأشار الحسين إلى أن محور الإصلاح الإداري تمت مناقشته بإسهاب من خلال ثلاث محاضرات وهي عن دور التشريعات الإدارية في الإصلاح الإداري وسبل تطويرها , وعن دور المحكمة الدستورية العليا في حماية الحقوق والحريات العامة , إضاءة على مشروع الإصلاح الوطني الذي طرحه السيد الرئيس بشار الأسد ..
وأضاف: إن التركيز ضمن المحاضرات كان على ضرورة إعادة النظر بأي تشريع لاينسجم مع المرحلة الراهنة أو المقبلة , وبحث سبل تطوير عمل الإدارة , وتطوير عمل الجهات العامة بما ينسجم مع المرحلة الجديدة باعتبار أن الإصلاح الإداري يشكل هاجساً لدى جميع الدول وكلها تسعى لإجراء عمليات تغيير و تطوير في عمل أجهزتها المختلفة..
وأوضح الحسين أن خير مثال على العمل في هذا الاتجاه هو أتمتة العمل ضمن عدد كبير من دوائر الدولة ..
الشفافية و المساءلة
من جهة ثانية أكد أن عملية الإصلاح تتطلب عدة نقاط أولها إعادة النظر ببعض التشريعات القائمة وتعديلها بما ينسجم مع المرحلة الراهنة والقادمة , والعمل على إيجاد قيادات إدارية مقتنعة تماماً بعملية الإصلاح و لديها الاستعداد الكامل للقيام بهذه المهمة , و تأمين فريق العمل المؤهل للقيام بهذه المهمة , وضرورة توفير إمكانيات مادية تسهل العمل ..
وأضاف : من هنا نجد أن عملية الإصلاح تقوم على ركنين أساسيين الشفافية أولاً والمساءلة ثانياً..
و من الضرورة بمكان مراعاة الشفافية بكل تفاصيلها وبما تتضمنه من تبسيط في العمل واختصار الإجراءات الروتينية وتحديد الاختصاصات وتحمل المسؤولية والقيام بالعمل وفق الإجراءات المحددة بالقانون , واعتبار أن الوظيفة (الخدمة العامة) تكليفاً و ليست تشريفاً والابتعاد عن السرية في العمل الإداري , وأن يكون هناك تواصل فعلي وحقيقي بين العاملين في الجهات العامة و المواطنين..
أما المساءلة فهي كما يقال عنها ملح الإدارة وتقوم على مبدأي الثواب والعقاب , فالمجد والمبدع يجب أن يثاب , بينما المخطئ و المقصر يجب أن يحاسب , وأكد الحسين أن المساءلة يجب أن تطبق بكل صورها الرسمية والشعبية والإدارية..
ومن هنا نرى أن دائرة المساءلة في الحقيقة تشكل احدى الضمانات الحقيقية للإصلاح الإداري و تطبيق الشفافية التي تقتضي احترام القوانين والأنظمة , وتم تقديم الشفافية على المساءلة من منطلق أن العمل يسبق المساءلة , وبعد إنجازه يتم تقدير هذا العمل أهو صحيح , سليم ,مشروع , أم غير مشروع …
التزام بالقاعدة الدستورية
وأضاف: تم خلال هذا المحور الحديث عن بعض النقاط في الدستور السوري النافذ عام 2012 , والذي يدعو للتواصل مع الوزارات المعنية بهدف إعادة النظر بالتشريعات التي فيها تحصين لبعض القرارات الإدارية غير الخاضعة لرقابة القضاء , وذلك انطلاقاً من أن كل التشريعات تتقيد بالقاعدة الدستورية كونها أعلى وأسمى من بقية القواعد القانونية , و يجب على كافة التشريعات أن تنسجم مع الدستور نصاً وروحاً ..
وأكد أن جامعة البعث سباقة في الحديث حول هذا الموضوع و تنفيذ بعض من الخطوات في هذا السياق من ضمنها تطبيق العمل وفق مبدأ النافذة الواحدة وما تقدمه من خدمات , وأتمتة شعبة الامتحانات, وأتمتة الأسئلة في المواد الدرسية ..
وفي سياق الإصلاح الإداري أكد أنه من المقرر أتمتة 36 مادة من حوالي 100 مادة في كلية الحقوق حصراً مع نهاية العام الحالي..
بيئة تشريعية و قانونية
من جهة ثانية ذكر الدكتور محمد الدالي نائب عميد كلية الحقوق للشؤون الإدارية أن الملتقى الحقوقي هو الأول من نوعه على مستوى القطر بهدف تسليط الضوء على دور الحقوقيين في إعادة الإعمار..
وتناول الملتقى أربعة محاور ركز الأول على الجانب الإداري, فيما ركز الثاني على الجانب الاقتصادي والمالي , وتناول الثالث القانون الجزائي , فيما تناول المحور الأخير القانون الدولي..
وأشار إلى أن كل هذه المحاور تركز وتلقي الضوء على دور القانون ورجاله في إعادة إعمار سورية بعد أن فعلت الحرب ما فعلت عبر سنواتها الثمان الماضية..
وأضاف الدالي :تناول المحور الأول موضوع الإصلاح الإداري في ضوء البرنامج الوطني الذي وضعه السيد الرئيس بشار الأسد كقاعدة أساسية لإصلاح مؤسسات الدولة و إداراتها لتكون فاعلة كما تطرق بشكل خاص للعلاقة ما بين المواطن و المسؤول , ومراكز دعم القرار, وضرورة تسهيل الخدمات للمواطنين وإيجاد بيئة تشريعية و قانونية تكون حاضنة حقيقية لعملية الإصلاح بما يستلزمه ذلك من كوادر فنية وبشرية ومقومات مادية لايمكن لعملية الإصلاح أن تكون ناجحة بدونها..
تعديل ينسجم مع المرحلة
أما فيما يخص الجانب المالي والاقتصادي والذي شارك فيه كل من أ.د محمد خير العكام عضو مجلس الشعب , و أ. د محمد صران , ود.محمد الدالي …
أوضح الدالي أن المحور تناول ثلاثة مواضيع , أولها التشريعات المالية و ضرورة تعديلها في ضوء تحديات إعادة الإعمار وبشكل خاص تعديل النظام الضريبي وتبني نظام الضريبة على القيمة المضافة , وإلقاء الضوء على ضريبة الإنفاق الاستهلاكي , كما تناول هذا المحور موضوعين هامين جداً الأول يتعلق بقانون الاستثمار والثاني بقانون الجمارك الذي يناقش حالياً أمام مجلس الشعب ,وإجراء مراجعة لقانون الاستثمار و الانتقال إلى سياسات اقتصادية تتبنى نظام الحوافز الضريبية بدلاً من الاعفاءات لأنها لم تحقق النتائج المرجوة ..
كما ركز المحور على المداخلات و الإشكاليات التي طالت قانون الجمارك أثناء مناقشته تحت قبة مجلس الشعب و الذي أعيد مرة ثانية للحكومة لدراسته..
الخامس عالمياً
أما الموضوع الأهم – بحسب الدالي – فكان يركز على الاقتصاد السوري بين تحديات الحرب و إعادة الإعمار , مشيراً إلى أن سبب أهمية هذا الموضوع تنبع من أن الاقتصاد السوري و قبل سنوات الحرب كان يعتبر الاقتصاد الخامس عالمياً من حيث الاستقرار بكل مؤشرات النمو والاستقرار الاقتصادي , ثم جاءت الحرب والتي كانت بمثابة صدمة حاولت الحكومة استيعابها بمجموعة من السياسات الاقتصادية التي كان الهدف منها التخفيف من آثار الحرب لأن الناتج المحلي في سورية انخفض من +5 إلى -13 , وهذا يشكل مؤشراً خطيراً يدل على الضرر الكبير والحال الذي آل إليه الاقتصاد السوري , وأضاف الدالي : أنه على الرغم من عودة الكثير من الشركات و المعامل للعمل إلا أن الواقع الاقتصادي ما زال غير مستقر و لم تنجح الحكومة في معالجته بشكل جذري , وذلك لأن هذه الحلول كانت علاجية أكثر منها وقائية وهذا لا يشكل عاملاً أو سبباً في علاج أزمة بحجم الحرب على سورية..
تسوية اقتصادية
وأضاف الدالي : مما لاشك فيه أن المنطقة قادمة بعد انتهاء الحرب على تسوية اقتصادية في الجزء الأهم منها , وهذا يفترض توفير بيئة اقتصادية و قانونية لكي نكون قادرين على العمل في ظل هذه التسوية التي لن تكون في الغالب في مصلحة الضعفاء وإنما في مصلحة الأقوياء أصحاب رؤوس الأموال الذين لم يتركوا بقعة جغرافية في العالم إلا وطالتها أفعالهم..
وأكد أن الاقتصاد القوي هو الذي ييسر الدخول إلى التاريخ من أبوابه العريضة لا أن نبقى على هامشه..
أما المحور الجزائي تناول ثلاثة مواضيع الأول المسؤولية المهنية للطبيب في ضوء تفاقم حالات الإصابات الناجمة عن الحرب , وهذا يستلزم أن يكون الطبيب على مستوى المسؤولية المهنية و القانونية التي يتطلبها عمله ..
بينما تناول الموضوع الثاني الجرائم الواقعة على أمن الدولة الخارجي و بشكل خاص الحديث عن الركن المفترض في مثل هذه النوعية من الجرائم و خاصة بعد أن أثبتت الحرب تعاظم هذه الجرائم الأمر الذي يستلزم موقفاً تشريعياً و قانونياً سليماً يتمثل في التوصيف الدقيق لهذه الجرائم و تشديد العقوبات على مرتكبيها..
فيما تناول الموضوع الأخير الأهلية في القانون السوري و تحدث فيه القاضي شجاع النقري عن موضوع الأهلية و هل ساهمت القوانين المتصلة بهذا الموضوع في توفير الحماية للمواطنين و هل نحن بحاجة إلى إعادة النظر في التشريعات المتعلقة بالأهلية حيث ركز على التعديلات التي حصلت مؤخراً في هذا الموضوع و التي تستلزم تفعيلاً أكبر في ضوء متطلبات المرحلة القادمة .
شارك في هذا المحور كل من الدكتور المحامي محمود الجنعير و د. المحامي فيصل الحكيم و القاضي شجاع النقري.
إضاءات
أما المحور الرابع فتناول إضاءات على القانون الدولي ودوره في حماية الدول من تدخلات الدول الكبرى في شؤونها حيث ركز الباحثون د.هيثم الحسن و د. عقبة الخطيب و د.عبد الله سيف الدين على عدم نجاح شرعية الأمم المتحدة في منع الدول الكبرى من التدخل في شؤون الدول الصغيرة , وهذا ما يهدد سيادة واستقلال هذه الدول , و أكد الباحثون على ضرورة مراجعة ميثاق الأمم المتحدة بكل هيئاتها و بشكل خاص مجلس الأمن الدولي باعتباره مسؤولاً عن السلم والأمن الدوليين ..
كما تناول المحور موضوع المواطنة والوطنية وهذا أمر ضروري فليس كل من يحمل الهوية هو مواطن بالضرورة , فالمواطنة علاقة انتماء بين الفرد والدولة يحصل بموجبها على حقوق ويلتزم بواجبات وهي تتطلب توافر مجموعة من المدخلات للوصول إلى مخرجات صحيحة حتى تكون المواطنة سليمة و الذهنية بعيدة عن الأهواء الشخصية و المصالح الضيقة التي لا تخدم الوطن في شيء..
بعض من المقترحات
في نهاية الأعمال تمت صياغة مقترحات تتعلق بالمحاور الأربعة ،ومن أهم المقترحات التي وضعها المشاركون ضرورة إعادة النظر بالتشريعات القائمة و سن تشريعات تشكل الإطار القانوني لعملية الإصلاح بحيث تكون البيئة التشريعية الضامنة و تؤمن كافة مستلزمات الإصلاح قانونياً , وإعداد الكوادر المؤهلة الكفوءة القادرة على انجاز الإصلاح الإداري وتحويله إلى حقائق ووقائع ملموسة تظهر آثارها بشكل واضح في حياة المواطن وعلى صعيد الوطن , ومن هذا المنطلق قيل إن عملية الإصلاح تشمل الإصلاح الإداري و الاجتماعي و الثقافي و الاقتصادي و لكن الإداري يسبقها جميعها بخطوة على الأقل ..
كما كان من أحد المقترحات تكريس مبدأ الثواب والعقاب في مجال عمل الإدارة العامة , و تعزيز مبدأ الشفافية وتوسيع دائرة التشاركية بين الإدارة والأفراد وبين القطاعين العام والخاص , إضافة لتعزيز مفهوم المأسسة أي الفصل بين المنصب والوظيفة , بحيث يتشكل بناء تراكميا في عمل الإدارة يشكل إرثاً حقيقياً في كل مرفق وجهة عامة..
كما جاء في المقترحات ضرورة إعداد ووضع معايير ومقاييس لاختيار القادة الإداريين من أصحاب الكفاءة والخبرة والنزاهة من نواحي المؤهل العلمي والخبرة والمهام والسيرة الذاتية والإنجازات الإدارية والعلمية إن وجدت , وتشكيل هيئة عليا لمكافحة الفساد بكل ظواهره وأساليبه واختيار أعضائها من المشهود لهم بالوطنية و الإخلاص و النزاهة و الشرف , وربط هذه الهيئة بأعلى سلطة في الدولة..
ومن أهم ما جاء في المقترحات تفعيل مراكز قياس أداء المؤسسات والأفراد ومراكز قياس أداء المواطن والموظف ومركز قياس التنمية البشرية ومراكز إعداد القادة الإداريين وضرورة الربط والتنسيق بين كل الأطراف بهدف الابتعاد عن البطالة المقنعة..
كما أكدت المقترحات التي خلص إليها الملتقى على أن أهمية الإصلاح الإداري تكمن في أنها تكرس وتؤسس لبناء دولة القانون , ويأتي في مقدمتها إضافة للإصلاح الإداري تعزيز سلطة القضاء وضمان استقلاله ونزاهته باعتباره أحد أهم ركائز دولة القانون … وبهذا يشكل الإصلاح الإداري الرافعة الحقيقية لإعادة الإعمار والنهوض بالواقع وإعادة الألق لسورية…
أخيراً
جاء الملتقى بمثابة تتويج لجهود سبقته بهدف إعادة الألق لكلية الحقوق كمركز أكاديمي يعمل على تخريج كوادر حقوقية قادرة على تحمل أعباء المسؤولية المستقبلية في تكريس العدالة كونها تشكل ميزان العدالة والحق كما أنها مركز إشعاع حضاري يعكس قيم النزاهة والعدالة , وعلى أمل أن يكون الملتقى الثاني على مستوى أوسع عربياً وعالمياً وأن يتميز بحضور متخصص ونوعي للاستفادة من الخبرات والسير قدماً في عملية الإصلاح والإعمار..
متابعة : هنادي سلامة