أدب الأطفال جنس مستقل بذاته، له خصوصيته كباقي الأجناس الأدبية الأخرى، ولكنه ما زال جنسا مهمشا لم يأخذ حقه من الاهتمام اللائق به، وذلك لأسباب كثيرة، لعل من أهمها: أن الكبار لا يقرؤون الأدب، لهذا لا يرون ثمة ضرورة لأن يقرأ الصغار في الأدب، فعليهم قراءة كتبهم المدرسية فحسب، وسبب شيوع هذا الرأي المتخلف الأمية الثقافية المتفشية حتى بين حملة الشهادات الجامعية، والجهل بأساليب التربية.
إضافة إلى أن هذا الجنس الوليد ليس له تاريخه العريق في الوطن العربي كباقي الأجناس الأدبية، مما جعل كل من يفشل في الكتابة للكبار يتوجه إلى الكتابة للأطفال، ظنا منهم أن الكتابة للصغير أسهل من الكتابة للكبير، غافلين أن لكل جنس أدبي خصوصيته، وهذا لا يعني أن قصة الأطفال أسهل تناولا من قصص الكبار، لاسيما إذا أخذنا بعين الاعتبار أن الطفل لا يستطيع أن يميز بين الغث والثمين، وهذا يعني الإساءة إلى الطفل حين نقدم له قصصا ليس فيها مقومات القص.
ويزيد الطين بلة أن أكثر دور النشر لا يعمل فيها مختصون في مجال أدب الأطفال، بل الأمر متروك لمزاج صاحب الدار الذي قد لا يمتلك الثقافة التي تؤهله للعمل في هذا المجال، أو أن الأمر لا يعنيه وهو يجري خلف الربح المادي لا غير.
أما المؤسسات الرسمية مثل اتحاد الكتاب العرب ووزارة الثقافة فكتبهم غير موزعة بطريقة جيدة، لهذا تبقى حبيسة المخازن إلى أن يفتك فيها العث.
وعلى الرغم من السلبيات، والمعوقات الكثيرة التي تعيق تقدم وازدهار أدب الأطفال فانه من وقت لآخر تصدر مجموعة جيدة للأطفال تبدد بعض التشاؤم، وتجعلنا نتفاءل بأن هناك من يعمل بجد لإنجاز عمل أدبي يحترم أذواق الأطفال ويقدر براءتهم.
من الأعمال الأدبية التي تستحق اهتمامنا سلسلة (الليرات الفضية) للكاتبة (سريعة سليم حديد) بعد مجموعتها القصصية الطفلية (عقد اللؤلؤ).
تتألف هذه السلسلة من ست عشرة قصة، كتبت بأسلوب رشيق، قريب لذوق الطفل، فالمفردات منتقاة بعناية، إضافة إلى تركيب الجمل البسيطة، والأجواء المناسبة لمخيلة الطفل ومزاجه.
ولا بد من الإشارة إلى أن هذه القصص لا تندرج تحت الأدب الطفلي المتعارف عليه، حيث تبدأ القصة بمقدمة تمهد لعرض الحدث وتقدم أبطال القصة، ثم تتوسطها الذروة، وفيها العقدة، أو قمة التصاعد الدرامي في القصة، ثم تأتي الخاتمة حيث ينتهي الحدث، ويأخذ كل شخص ما يستحق من جزاء أو ثواب. وبذلك تكون القصة قد قدمت مقولتها، دون أن نغفل أن الطفل يبحث عن المتعة والتسلية، وان الفائدة يجب أن تكون قد تسربت إلى نفس وعقل القارئ الصغير بأسلوب غير مباشر.
قصص (الليرات الفضية) تختلف في نهايتها غير المقفلة كالقصة التقليدية، بل مفتوحة على سؤال موجه للقارئ الطفل الذي عليه أن يستنتج الإجابة من القصة ذاتها، فكل قصة تقدم مشكلة تعرض لها الأطفال أو الحيوانات، والمطلوب من القارئ الصغير البحث عن الحل المناسب للخروج من المأزق.
لذلك تندرج هذه القصص تحت بند القص التربوي والتعليمي، لهذا ننصح الوالدين بأن يقوما بقراءة هذا النوع من القصص على أطفالهما لمحاورتهم، وحثهم على أن يجدوا بأنفسهم الحل المناسب لكل مشكلة يتعرض لها بطل القصة، وبذلك تحقق القصة غايتها حيث تهدف إلى تعليم الأطفال وتدريبهم على التفكير والاستنتاج، كما أن مشاركة الوالدين في محاورة أطفالهما غاية أساسية للتواصل الحميمي بين أفراد الأسرة.
ومن الجدير بالذكر أن هذا النوع من القصص يمكن قراءته على الأطفال الصغار الذين لا يجيدون القراءة، وبذلك نزرع في نفوسهم منذ الصغر محبة القراءة، لاسيما أن هذا النوع من القصص يستهويهم كثيرا لأنهم يجدونه فرصة لممارسة اللعب عن طريق التحدث مع الآخر.
أيضا لابد من الإشارة إلى الرسومات الملونة المشغولة بمهارة، فالصورة الجميلة عنصر أساسي من القصة الطفلية لأنها تجذب الطفل إلى تقليب صفحات الكتاب والى تقريب الأدب من شخصيته .
سامر أنور الشمالي
المزيد...