الفرحة … «ما كملت»! لمزارع المشمش من الجمل أذنه وللتاجر الباقي بما حمل!

تعتبر حمص من المحافظات المتميزة بزراعات كثيرة و متنوعة إلا أننا و لتاريخه لم نشهد استثماراً حقيقياً لمنتجات هذه الزراعات و تحويلها من مواد أولية تستهلك خلال الموسم إلى فرص عمل مدرة للدخل لشريحة كبيرة من العمال عند إقامة المعامل المتخصصة بصناعات تتوافق مع المنتوجات الزراعية في كل منطقة ..
والكلام اليوم ينطبق على محصول المشمش و الذي يدخل في صناعات غذائية كثيرة و متعددة سواء التجفيف أو المربيات أو العصائر و غيرها…
وهذا الموسم تزامنت موجة حر مع عطلة عيد الفطر التي استمرت لثلاثة أيام و بالتالي نضج المحصول و سقطت الثمار عن الأشجار وانخفض سعر الكيلو بالأسواق مابين 90- 150 ل.س و هو سعر لا يصل إلى قيمة التكلفة للكيلو الواحد.

أيام تسببت بخسارة محصول !
العروبة تواصلت مع عدد من مزارعي منطقتي القصير وربلة حيث تتركز زراعة المشمش والذين قالوا في حديثهم : في كل عام ومع كل موسم نفاجأ بشيء جديد يحرمنا من الربح بمواسم متعددة وهذا العام لم نتمكن من تحصيل تكلفة محصول المشمش بسبب موجة الحر وعطلة العيد فهل يعقل – و الكلام هنا للمزارعين – أن نخسر نتاج عام كامل من التعب و التخديم الزراعي خلال أيام لعدم وجود آلية مناسبة للتسويق أو حلول لتصنيع المنتج بشكل كامل خاصة في ظل غياب فرص التصدير لدول الجوار حالياً بسبب الحصار الاقتصادي ..
وأكد آخرون أن شجرة المشمش تتصدر قائمة الأشجار المثمرة بريف حمص ورغم الإنتاج الوفير في الموسم الحالي إلا أنهم يعانون من صعوبة التسويق وانخفاض السعر الذي لا يتناسب مع تكلفة الإنتاج حيث انخفض سعر تسويقه إلى أقل من 150 ليرة للكيلو علما أن مدة جنيه وتسويقه لا تتجاوز الخمسين يوما.
و أكد مزارع أخر أن إنتاج المشمش هذا العام كان وفيرا لكل الأصناف ولكن الظروف المناخية أضرت بالمحصول حيث تسببت بنضجه دفعة واحدة الأمر الذي ساهم في ازدياد العرض في السوق و انخفاض السعر , مشيراً إلى أن التكاليف العالية من أجرة تخديم المحصول و أسعار الأسمدة و الأدوية وصولاً إلى أجرة القطاف والنقل كلها لا تتناسب مع الأسعار الحالية , خاصة أن مؤسسات التدخل الإيجابي لم تقم بتسويق المحصول بحجة عدم جدواه الاقتصادية ..
المجمعات التنموية متوقفة !
وطالب المزارعون بضرورة استكمال العمل على تفعيل المجمع التنموي المتوقف بربلة الذي يضم معملا للكونسروة بهدف تخفيف الأعباء عن الفلاحين وتسويق المحصول بشكل يحميهم من استغلال و تحكم تجار القطاع الخاص..
وتحدث عدد من المزارعين المنتجين عن معاناتهم خلال عمليات جني وتسويق المحصول للموسم الحالي مؤكدين وجود تجار يتحكمون بالأسعار والتي لا تتناسب مطلقا مع التكلفة الحقيقية والجهد المبذول.
بدوره بين أحد مزارعي ربلة أن واقع المشمش للموسم الحالي ليس جيدا لكل الأصناف والأسعار منخفضة جدا بالنظر لتكلفة الإنتاج فسعر ساعة العمل 500 ليرة وأسعار السماد مرتفعة و لم نذكر بعد تكاليف الأدوية و المبيدات و أجرة النقل و غيرها من التكاليف.
وأكد أن المطلب الأساسي لكل أبناء المنطقة هو تأمين آلية تسويق تنصفهم , و تحدث عن ضرورة إقامة سوق اقتصادية اجتماعية مشتركة ما بين القطاعين العام والخاص وإيجاد التنافس لمصلحة المزارعين المنتجين ..
مزارع آخر تحدث عن وضع تسويق إنتاج المشمش حيث يتكبد مزارعو المشمش في ريف القصير خسائر فادحة ، وذلك بسبب انخفاض سعره الآن ، وهي لعبة من قبل تجار القطاع الخاص في ظل غياب مؤسسات التدخل الإيجابي (السورية للتجارة) ومديرية التجارة الداخلية وحماية المستهلك، بالإضافة إلى ارتفاع سعر العبوات البلاستيكية ، وارتفاع أجور النقل وأجور اليد العاملة.‏
نفقات إضافية
أحد تجار الجملة في سوق الهال بين أن السعر حالياً يتراوح بين 150 إلى 200 ليرة سورية للكيلو غرام الواحد والسعر يتدنى تدريجيا حتى نهاية الموسم وأغلب المشمش من النوع الذهبي المرغوب للتصنيع من قبل أصحاب معامل الكونسروة بدمشق وهناك أنواع للاستهلاك المحلي وتنضج تباعا ويرى أن الأسعار الحالية التي يطرحها التجار بدمشق لا تتناسب أبدا مع التكلفة الحقيقية والجهد المبذول من قبل المزارعين المنتجين.
ومن وجهة نظره كتاجر يرى أن انخفاض أسعار التسويق للمشمش تدريجيا ليس في صالح المزارع خاصة بعد إضافة أجور النقل و السمسرة التي تصل قيمتها إلى 7% من الثمن الكلي …وأوضح أن بائع المفرق يعطي سعراً أعلى بحسب السوق و العرض و الطلب…
من جهة ثانية ذكر تاجر آخر في سوق الهال أن المشمش تحديداً موسمه قصير و مدة التسويق لا تتجاوز الخمسين يوماً , و رغم ذلك يوجد أكثر من عشرين مركزاً تسويقياً في منطقتي ربلة و القصير , و أكد أن سعر الكيلو في بداية الموسم كان 450 ل.س و هو سعر جيد و مناسب أما بعد موجة الحر و نضج كل الكميات دفعة واحدة انخفض السعر إلى 150 ليرة فما دون و هو أمر أضر بالمزارعين و كبدهم المزيد من التكاليف ..
وأضاف : قبل سنوات الحرب كان يتم التصدير بكميات كبيرة إلى دول الجوار و بالتالي كان موسم المشمش يؤمن الكثير من فرص العمل للشباب في المنطقة ومصدر رزق جيد للأهالي أما الآن فالوضع مختلف تماماً و نأمل من الجهات المتخصصة بهذا الشأن أن تجد حلاً للمواسم المقبلة …
720 ألف شجرة مثمرة
وأوضح مدير زراعة حمص المهندس محمد نزيه الرفاعي إلى أن حمص تأتي بالمركز الثاني على مستوى سورية بإنتاج المشمش وبالمساحة مبينا أن إجمالي عدد أشجار المشمش يبلغ أكثر من 755 ألف شجرة جميعها مزروعة ضمن الأراضي المروية والمثمر منها 720 ألف شجرة وأن إجمالي المساحة المزروعة بالمشمش يبلغ نحو 48 ألف دونم.
وأضاف الرفاعي إن 90 بالمئة من المساحات المزروعة بالمشمش تتركز في منطقة القصير حيث تتوفر فيها كل الشروط الملائمة لزراعته.
وأشار إلى أن كوادر المديرية قدرت إنتاج المحافظة من المشمش للموسم الحالي 39 ألف و 643طناً وتتركز زراعته في منطقة القصير لا سيما في ربلة وجوسيه…
أنواع متعددة
وأشار المهندس راسم العمر رئيس دائرة زراعة القصير أن أراضي القصير ملائمة جداً لزراعة المشمش و بالتالي تنتشر فيها زراعة عدة أصناف تشمل الطلياني والتدمري والفرنسي والذهبي والذي يعتبر من أكثر الأنواع المرغوبة لملاءمته صناعة المربيات.
وأضاف إن النوع الذي كانت به الخسارة الأكبر للمزارعين هو النوع البسبوسي والذي يعتبر من الأنواع المبكرة ومساحة زراعته بالمنطقة بحدود 800 -900 دونم , وأشار العمر أن موجة الحر تسببت بنضجه في وقت مبكر وتزامنت مع عطلة العيد الأمر الذي تسبب بانخفاض السعر لأقل من 100 ليرة ..
ونوه العمر إلى أن دائرة الزراعة و الوحدات الإرشادية بطاقمها من المهندسين الزراعيين استمرت خلال العام المنصرم بالقيام بزيارات متكررة على البساتين لتوجيه المزارعين و تزويدهم بالمعلومات العلمية القيمة لتمكينهم من تحقيق أكبر فائدة ممكنة من المحصول والاعتناء به و تخديمه بالشكل الأمثل, مشيراً إلى أن ظروف الحرب تسببت بانخفاض الإنتاج لحدود العشرين ألف طن على مستوى منطقة القصير بسبب خروج مساحات كبيرة من الأراضي عن الخدمة..
غير مجد اقتصادياً
وأشار مدير فرع المؤسسة السورية للتجارة المهندس عماد ندور أنه لم يتم استجرار محصول المشمش من قبل فرع المؤسسة مثل باقي المحاصيل كالبطاطا و التفاح و ذلك لعدم الجدوى الاقتصادية من هذه العملية كونه محصول عمره قصير وسريع العطب , و أضاف: نقوم باستجرار كميات بسيطة من سوق الهال و بيعها في صالاتنا ..
أخيراً
يبدو أن الحظ العاثر كان أقوى من آمال المزارعين في تحقيق أرباح تعوّضهم جهدهم وتعبهم وخسارتهم المادية ، حيث يعانون من صعوبة الوصول إلى أراضيهم لجني محصول المشمش لعدم وجود طرقات زراعية نظامية ، بالإضافة لوجود الكثير من المصاعب الأخرى تكون مقدمة لخسارتهم ، وأولها تلاعب التجار في القطاع الخاص بأسعار المشمش , إذ يجد المزارعون أنفسهم مرغمين على بيع المحصول لتجار القطاع الخاص , وهؤلاء يتحكّمون بالسعر في حين تكون أسعار المشمش في السوق المحلية مرتفعة جداً مقارنة مع ما يتم دفعه للمنتج ، مستغلين حاجة المزارعين لتسويق محصولهم خاصة وأن المشمش من الثمار التي لا يمكن الحفاظ عليها طويلاً بعد قطفها ، وهذا يدفعنا إلى التساؤل عن دور مؤسسات التدخل الإيجابي التي من واجبها حماية المزارع من جشع التجار والتعرض لخسائر كبيرة كما استعرضنا في مادتنا ..
هنادي سلامة

المزيد...
آخر الأخبار