تحية الصباح..أبو الورد والنسيان

قُدِرَ على أبي الورد كما هو حال معظم الناس أن يُهجَرَ من بيته الذي كان بناه بعرق جبينه بعدما وضع كل ما جناه من تعب العمر ، وكدِ الأيام والسنوات ، ولأنه يقنع بالحظ ، وأن الحياة قسمة ونصيب ، فقد بلع الغصة في الحلق ، وقبل مرغماً على أن يغادر مسكنه الذي لم يغادره يوماً إلا ما ندر ، وبدأت رحلة البحث عن سكن ٍ جديدٍ عله ينسى واقعاً مفروضاً ، وحالةً لا بد له من التكيف معها ، وهو الذي كان يؤجر البيوت للآخرين ، فالحياة لا تدوم على حال ٍ متماثلة ٍ ، ولا تستقر على مسار ٍ مستقيم ٍ ، فراح يردد قول الشاعر الأندلسي أبي البقاء الرندي :
هي الأمور ُ كما شاهدتها دولٌ
من سره زمن ٌ ساءتْهُ أزمان ُ
وفي رحلة البحث هذه التي أرجعته ليتذكر رحلة ابن بطوطة ، مع أنه كما يصف نفسه مثقوب الذاكرة والجيب ، فهو لا يتذكر إلا اللحظة التي يعيشها ، وكانت تلك المسألة غالباً ما تسببُ له الكثير من الحرج عندما يقابل شخصاً يسلم عليه ، فيعجز عن تذكر اسمه ، أو أين التقى به ، وكيف تعرَف إليه أول مرة ، إلا أن تلك المسألة التي كانت مشكلةً في وقتٍ سابق أصبح يجد فيها خير وسيلة ٍ للنسيان ، وتجاوز الواقع ، والحياة التي ألقت بأعبائها الثقيلة عليه ، فأصبحت تلك المشكلة نعمةً لم يكن يدري أنه يمتلكها ، لولا أن سمع مصادفةً عندما كان يركب سرفيس أجرة في الطريق إلى عمله المطربة ميادة الحناوي تغني من المذياع : (وأنت مكتوب لك يا بختك نعمة النسيان) وهكذا راح يستشعر في نفسه قوةً لم يكن يعرفها ، ليزيد من قناعاته بأن الإنسان يمتلك قوى خفيةً بلا شك ، ولكنه لا يدركها لانشغاله بالحياة ، وأموره الدنيوية ، فلا بد من تأمل الإنسان نفسه ليكتشف ما منحه الله من قدرات ٍ كامنةٍ لا يجوز له أن يبقيها في طي الجمود ، وهكذا اكتشف أبو الورد أن ما كان يزعجه ، ويسبب له نوعاً من الحرج ،والمواقف المربكة وجد فيه مجالاً لتجاوز الواقع ، والتكيف مع الحالة ، والظروف الطارئة ، وراح يتابع مسيرته البحثية في الوصول إلى استئجار بيتٍ جديدٍ ، وقد تحقق له ما أراد ، فاستأجر منزلاً في أحد الأبراج متوسماً في هذا العلو أن يغير واقعه ، فالمنازل كما كان يسمع من حكايات الجدة كالنساء قد تسعد الرجل ، أو تجعله يعيش الأمَرين ، فالحظ في العتبة كما كان يسمع ، وهكذا تفاءل بالعلو ، وأنه سيسكن في الطابق السادس ، ما أعاده بالذاكرة إلى أيام الطفولة عندما كان تلميذاً في الصف السادس ، ولم يدرِ كيف قفزت إلى ذاكرته تلك المرحلة ، وهو الذي لا يتذكر إلا لحظته ، فاستبشر بهذا التداعي الاستذكاري خيراً ، وراح يقصُ على صاحب المنزل حكايته في الصف السادس حينما كان تلميذاً متفوقاً يشيد فيه مدرس اللغة العربية ، فيصطحبه من شعبة ٍ إلى أخرى ، ليقرأ عليهم موضوعات الإنشاء التي كان مميزاً فيها ، وبعدما انتهى من الحديث ، ووقع عقد الآجار ، ودفع أجرة الثلاثة أشهر مقدمةً ، لينطلق مسرعاً مستبشراً بما أنجز إلى أم عياله ، ليبدأ بٍنقل ما لديه من بضع ملابسَ له وللأبناء ، وبعض أوانٍ مما أعطي له من معوناتٍ ، رن هاتفه الجوال ، ليخبره صاحب المكتب بأن المصعد في البرج لا يعمل ، وعليه نسيانه .

د. وليد العرفي

المزيد...
آخر الأخبار
حوالي ألف مركبة تتزود بالمازوت من محطة النقل الشمالية.. داغستاني : دراسة عدة خيارات لتخفيف الضغط عن ... إشغالات الأرصفة والاهتمام بالمناطق السياحية والأثرية  في جلسة مجلس المحافظة الأولى .. الرئيس الأسد يبحث مع شويغو ملفات ذات صلة بالأمن الدولي والإقليمي والعلاقات الثنائية تحديد مواعيد تسجيل الطلاب المستجدين والقدامى وتغيير القيد والتحويل والانتقال في المعاهد التقانية برئاسة حموده صباغ… مجلس الشعب يبدأ أعمال دورته الأولى للدور التشريعي الرابع تنظيم ٦٧٧ ضبط استجرار كهرباء غير مشروع خلال ٧ أشهر .. اليوسف :تركيب ٦٢٧٨ عدادا اللجنة الاقتصادية رفعت يدها عن الموضوع ... خلافات بين وزارتي الزراعة و الصناعة تؤخر تسعير العنب الع... تحسن ملحوظ في عدد المنشآت التي دخلت مرحلة الإنتاج..  145 منشأة صناعية وحرفية منفذة ومرخصة خلال ٨ أش... برونزيتان لسورية في البطولة العربية لألعاب القوى الرئيس الأسد يشارك في إحياء ذكرى المولد النبوي الشريف في جامع سعد بن معاذ بدمشق