حرب الثماني سنوات التي تعرضت لها سورية أدت الى تخريب أجزاء هامة من مبانيها التراثية وتدمير قطاعات كبيرة من المدن والبلدات ، ومن هنا تأتي أهمية إعادة الاعمار ، بشكل علمي وتقني وخلاق مسايراً للتطورات المعاصرة معمارياً وعمرانياً ، حيث أقامت كلية العمارة بجامعة البعث ندوة علمية تهدف الى التواصل والبحث والحوار بين الخبرات المعمارية من خلال المحاضرات التي قدمها المشاركون عن مرحلة إعادة الاعمار .
آفاق الاستفادة
محاضرة الدكتور نضال سطوف عميد كلية العمارة عن آفاق الاستفادة من حاويات الشحن في مرحلة إعادة اعمار سورية ، تحدث فيها عن حاويات الشحن التي هي منتج أساسي لتسليم البضائع في أي مكان في العالم مع الحد الأدنى من التكاليف والمضاعفات ويقدر عدد الحاويات التي يتم تداولها حول العالم بأي وقت من الأوقات بين /17-20/ مليون حاوية ، واحتلت سورية المرتبة التاسعة عربيا عام 2014 من حيث عدد حاويات الشحن المتداولة بمقدار / 836288/ حاوية ، بينما من المتوقع أن تحتل سورية في مرحلة اعادة الاعمار المرتبة الأولى عربيا ومراتب متقدمة عالميا وبالتالي ستكون في مقدمة البلدان التي ستعاني من الزيادة الواضحة في عدد حاويات الشحن في موانئها . ويقول الدكتور نضال : من الطبيعي في مرحلة إعادة الاعمار وما يسبقها أن يصل الى الموانىء السورية الملايين من حاويات الشحن سنوياً ، وبالتالي ستعاني الموانىء السورية من تكدس الحاويات ، وما لذلك من أعباء ونتائج بيئية واقتصادية كارثية ، لذلك من المهم البحث في إمكانية الاستفادة من حاويات الشحن في مختلف مجالات البناء الاقتصادي السريع وعليه يمكن تعريف عمارة حاويات الشحن على أنها نوع من العمارة التي تتسم عموماً بإعادة استخدام حاويات الشحن الفولاذية كعنصر هيكلي ومغلق معماري يمكن أن يستضيف وظيفة محددة أو نشاطاً بشرياً ، ولدينا خمسة أسباب ومبررات موجبة لضرورة اعادة تدوير حاويات الشحن واستخدامها في مجال تأمين المنازل هي : الاقتصاد في التكاليف – والسهولة في النقل – الاستدامة وصداقة البيئة – تعدد امكانيات التصميم -المرونة في التشكيل .
بعدها انتقل للحد يث عن حاويات الشحن في الأبنية العامة وعن الحلول النوعية لمساكن حاويات الشحن ومنها مسكن وحيد العائلة وهو عبارة عن مسكن مخصص لعائلة واحدة من حاوية أو اكثر . وسكن حاويات مجمعة ، وسكن متعدد وأهمها السكن الطلابي والتجاري بالإضافة إلى آفاق استخدام حاويات الشحن في مرحلة إعادة الإعمار حيث أطلقت كلية الهندسة المعمارية في جامعة البعث من خلال مشاريع التخرج للعام 2018 مسابقة أفكار لايجاد حلول متميزة لتجمع سكني مؤقت يستوعب حوالي 25000 نسمة لايواء المهجرين العائدين وتم اختيار قطعة أرض مستوية في حسياء على طريق / حمص – دمشق / بمساحة 58 هكتاراً تبعد عن حمص حوالي 40 كم وتعتبر هذه التجربة إضافة إلى تجربة سكن حاويات الشحن في الجامعة العربية الخاصة ، وتجربة جامعة البعث في مشروع السكن المؤقت للسنة الرابعة هذا العام في مجال اعادة تدوير حاويات الشحن والاستفادة منها كمساكن ومبانٍ خدمية متعددة الوظائف ، هي خطوة جريئة وهامة في بداية مرحلة اعادة الاعمار لتهيئة جيل من المهندسين الشباب لفهم واستيعاب هذا الاتجاه الهام
ومن الإجراءات المتخذة لذلك إعادة تأهيل المناطق المتضررة جزئياً وبشدة بالإضافة الى تقييم واقع الأضرار في مدينة حمص – والمطلوب طبعاً تشريعات وقوانين جديدة .
أولويات التدخل
أمامحاضرة الدكتور سامي محمد شيخ ديب عن أولويات التدخل واتجاهات إعادة الإعمار للمدن في ضوء دراسة التجارب المحلية والعالمية , تطرق فيها الى ضرورة إعادة الإعمار للمدن والتي تعنى بإصلاح شامل في قطاع جميع الخدمات والدخول في خطة إنمائية طويلة الأمد , فيجب تقييم نسبة الدمار , وأولويات التدخل والجهات الداعمة لخطة إعادة الإعمار كما تحدث عن اثر الحروب والكوارث على البيئة العمرانية كالأثر الثقافي – الاقتصادي – الاجتماعي – الفيزيائي ) فمن خلال التعرف على آثار الحروب ينتج عنه تدمير الموروث المعماري والعمراني ( تدمير ذاكرة المكان ) وتعطل التطور العمراني ولأولويات التدخل عدة نقاط أهمها : الحفاظ على الأنقاض – البدء بأعمال استرداد البنى التحتية – هدم الأبنية الخطرة بالإضافة الى ضرورة تقييم نسبة الدمار والجهات الداعمة لخطة الإعمار وهي الحكومات والجهات الدولية والهيئات الحكومية والأفراد وختم محاضرته عن بعض التجارب في إعادة الإعمار كتجربة العراق – فلسطين ( مدينة نابلس )
البعد الاجتماعي والإنساني
البعد الاجتماعي والإنساني لمشاريع إعادة إعمار المدن المتأثرة بالحروب كانت محاضرة للدكتور ماهر لفاح تحدث فيها عن البيئة العمرانية وما تتعرض لها من أنواع شتى للأزمات التي تختلف في شدتها وآثارها على مكان المدن من آثار اقتصادية واجتماعية وعمرانية والضروري من العمارة الاقتصادية والبيئية والمستدامة ولما لها من اثرفي رسم خطوط واضحة أمام المهتمين والمؤثرين في المرحلة الحالية لإعادة الإعمار وأنهى محاضرته بعدة نتائج منها : تعتبر حاويات الشحن اللبنة الأهم في القرن الحادي والعشرين لما تؤديه من فائدة كبيرة في تأمين المسكن الاقتصادي والتجمعات السكنية البيئية المستدامة والمباني الخدمية بمختلف أنواعها التعليمية و الثقافية و التجارية والترفيهية والسياحية الإدارية والصحية وضرورة ملاءمة عمارة حاويات الشحن لمرحلة إعادة الإعمار لما تتميز به من سهولة التعامل معها بخبرة ومهارات وتقنيات بسيطة غير معقدة وضرورة اعتبارها خطوة وتوجهاً أساسياً ومهماً يساهم في انتاج تجمعات سكنية مؤقتة مستدامة خلال إعادة إعمار سورية وفي القطاع السياحي والشبابي بعد الإعمار .
كما قدم بعض التوصيات التي تستوجب التنبه والتوجه لاستيعاب الآفاق اللامحدودة لاستخدام حاويات الشحن ليتمكنوا من العمل الجاد والانطلاق المتسارع نحو تطبيقات عمارة حاويات الشحن في القريب العاجل لتحقيق طموحات وآمال المهجرين العائدين الى مدنهم للمشاركة في إعادة إعمار سورية وضرورة نشر ثقافة إعادة التدوير وعلى رأسها ضمن المراحل الجامعية المختلفة الأولى والدراسات العليا .
إعادة إعمار المناطق المتضررة
أما المهندسة ريم بعلبكي قدمت محاضرة عن التشريعات والإجراءات المتخذة لإعادة إعمار المناطق المتضررة في محافظة حمص وتحدثت عن المناطق التي تأثرت في الحرب وآثار الدمار عليها ( دير بعلبة – خالدية – باباعمرو – الريف الشرقي – القصير – القريتين – السخنة – تدمر ( المناطق الأثرية ) وقد فرض ذلك مسؤوليات اضافية أثرت على مسار التنمية لوضع الرؤى والتوجهات والاستراتيجيات من أجل عودة الحياة.
حيث هناك احتياجات أساسية ،واحتياجات تقدير ،وتحقيق الذات ،وتحدثت عن الملاءمة الاجتماعية والثقافية من خلال تقسيم الأراضي ودراسة التشكيلات العمرانية ،وإحياء وتوثيق الذاكرة الجماعية وذلك بربط الفرد بالمكان الجديد وإعادة البناء الاجتماعي بتطبيق مفهوم المشاركة الاجتماعية كمنطلق لصنع القرار وتطوير رأس المال الاجتماعي ،وتقوية الشعور بالانتماء والتماسك والاندماج الاجتماعي ،بالإضافة إلى التمكين الاقتصادي من خلال توفير فرص عمل جديدة ،ودعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة والاستقرار السكاني
إعادة اعمار جورة الشياح
إعادة إعمار جورة الشياح محاضرة المهندس توفيق سعد الله عثمان والتي لخصها بعدة نقاط هامة منها :وضع مخطط زمني –استشارة مختصين –تأمين سكن مؤقت – تسهيل عودة اللاجئين –دور المهندسين في إعادة الاعمار –خلق شريان استثماري ، وختم محاضرته بالتأكيد على ضرورة المشاركة المجتمعية لإعادة اعمار الحي .
توصيات عامة
وفي ختام الندوة خرجت بعض التوصيات والمقترحات فيما يخص إعادة الاعمار منها :مزامنة ودراسة وتنفيذ إعادة اعمار جميع المناطق المتضررة في المدن والبلدات ،واعتماد المسابقات العمرانية والمعمارية لمشاريع إعادة الاعمار ،وضرورة تضمين دفاتر الشروط الفنية للمسابقات العمرانية والمعمارية للمناطق المراد اعمارها وهي المعايير التخطيطية المتوافقة مع المعطيات والظروف الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للسكان ،بالإضافة إلى ضرورة الإسراع في انجاز تجمعات السكن المؤقت ،وذلك باستغلال الإمكانات المتاحة (السكن المسبق الصنع –سكن حاويات الشحن )على سبيل المثال ، ووضع مخطط هيكلي شامل للمدن والبلدات المتضررة لبيان حدود المناطق المكونة لها والعلاقات الطرقية والوظيفية والخدمية ،على أن يكون هذا المخطط هو الإطار الموجه لعملية إعادة الاعمار ،وتطوير المدينة أو البلدة وتنميتها عمرانياً ووضع مخططات توجيهية للمناطق التاريخية المتضررة وتعد رؤية شاملة واضحة الأهداف منها :”حماية التراث التاريخي –تأهيل النسيج العمراني فيزيائياً واجتماعياً –التوظيف الأمثل للمباني المرممة –تحسين نوعية الحياة في المناطق المعاد تأهيلها ،كتوفير المرافق الخدمية ،وتطوير البنى التحتية ،وتأمين الحدائق وفراغات المشاة ،وإحياء ذاكرة المكان “.
رهف قمشري