الحرف التراثية … أسلوب حياة بعبق الماضي … تراجع أغلب الحرف خلال الحرب وتعرض المحال والبنى التحتية للسرقة والتخريب
تشتهر مدينة حمص بالصناعات والحرف اليدوية المختلفة التي تعبر عن تراثها وتاريخها الحضاري الوافر وتدل على مهارة الأيدي العاملة في معظم الصناعات الحرفية وقديما كانت هذه الصناعات بوابة للعمل المهني والانتاجي والمادي لتحقيق المعيشة …
ولا شك أن بدايات الحرف اليدوية التقليدية قديمة كانت تلبية لحاجات المجتمعات فأصبحت إحدى ثوابت تراثنا العريق التي نحتفظ بها في الذاكرة مهما مرت السنون, ولعل تحول الفن الحرفي لمعادلة ثنائية جمعت ما هو قديم يضج بمعالم أيام زمان والحاضر الذي استمد من تقنية ومهارات عاليةله أثر كبير في تمـــيز الحرف والصناعات اليدوية كونها تعتمد على التجديد والإبداع , ويضم تاريخنا تراثاً حضارياً من الفنون والحرف التقليدية في شتى الميادين الحياتية…
وتنعكس أهمية الحرف والصناعات اليدوية في أن بعض المنتجات الحرفية ذات دلالة على جوانب الهوية الوطنية للبلد المنتجة للحرف والصناعات اليدوية، وتعتبر إحدى المجالات التي تساهم في تحسين المشاركة في النشاط الاقتصادي وذلك من أجل دفع عجلة الاقتصاد وتحقيق التنمية …
فكيف يمكن حماية القلة القليلة المتبقية من الحرفيين واستثمار حرفهم وتطويرها واستغلالها كصناعة حديثة ذات معنى ومضمون يجمع بين جمال الماضي والق الحاضر؟؟
لقد اشتهر أغلب الصناع قديما بالصناعات اليدوية والذين لا يزال معظمهم يمتهنها كمورد رزق له.. فالصناعة التقليدية إحدى الدعائم الأساسية التي كانت ترتكز عليها البيئة الاقتصادية للكثير من الأسر رغم تناقص أعداد الحرفيين في الوقت الراهن بسبب ظروف الحرب القاسية التي مرت على بلدنا والتي أدت إلى تحول نظرة الكثيرين عن اقتناء الأشياء التراثية التي كانت تزين منازلهم قبل الحرب التي فرضت على الجميع تغيرا واضحا في أسلوب الحياة ونمط التفكير , فلم يعد هم المواطن الاهتمام بالمظاهر واقتناء الكماليات , والتباهي بأنواع مختلفة من التحف والصمديات وأشياء أخرى تعد ضمن الكماليات , منها الاهتمام بالأثاث المنزلي الغالي الثمن , بل لجأ إلى الاستغناء عن بعضها، وخاصة ما يتعلق بقطع «الصمديات» من لوحات ومجسمات، وأباريق وقناديل، سيوف وأشجار وورود صناعية والثريات وغيرها ..
غياب واضح
والملاحظ حاليا وبعد ثماني سنوات من الحرب غياب محال بيع القطع القديمة «الأنتيك» عن أسواق حمص، وتعرضها للنهب والسرقة من قبل العصابات الإرهابية المسلحة, وأصبح هناك أماكن خاصة تباع فيها وبأسعار لا تقدر قيمتها الحقيقية ..
بالمقابل أثرت الحرب على الكثيرين الذين تعرضت منازلهم ومحالهم للتخريب فقاموا ببيع مقتنياتهم من القطع التراثية , أو لحاجتهم المادية لثمنها « مثل الحلي والمصاغ» لتدبير شؤون الحياة بعدما خرب وسرق الإرهابيون كل ما هو ثمين وغال ..
وكانت محال بيع أنواع الأنتيكا تنتشر في السوق المسقوف وأحياء حمص القديمة وسوق الناعورة , وكان شراء تلك القطع يتركز على بعض الميسورين الذين يرغبون باقتناء ما هو تراثي أو من السياح كون تلك القطع تعبر عن ثقافة البلد وإبداع صناعها في التصميم والجودة …
ومن ابرز الحرف في مدينة حمص صناعة الفخاريات والنحاسيات بأنواعها وصناعة الذهب والفضيات وصناعة الزجاج والعبي والجلابيات والألبسة التراثية وصناعة خبز التنور وغيرها وبعض هذه الصناعات اندثر كحرفة النول العربي وصناعة البسط والسجاد وبعضها في طريقه إلى الزوال والاندثار…
وكان هناك العديد من الأسواق لكن للأسف الحرب فعلت فعلها فيها فقد تعرضت للنهب والسرقة والدمار على أيدي المجموعات الإرهابية المسلحة , مما أدى إلى اندثار ملامح تلك الأسواق التي كانت في حمص القديمة ولم يبق إلا عدد قليل من الصناع منهم من هاجر ومنهم من ترك المهنة أو اكتفى بمحل صغير في أحد الأحياء حفاظا منه على مهنته التي توارثها من الآباء والأجداد…
اختلاف الظروف المعيشية
قبل الحرب كانت محال «الصمديات» تملأ الأسواق والشوارع , وحاليا تكاد لا تجد منها القليل في أهم أسواقها «وسط المدينة» …
توجهنا بالسؤال إلى اتحاد الحرفيين لمعرفة الأسباب وراء تراجع بعض الحرف التراثية , والإجراءات المتخذة من قبلهم لإحيائها من جديد بعد عودة الأمن والأمان لمدينة حمص …
قال عبد المطلب الضاهر رئيس المكتب الإداري والقانوني : هنالك عدة أسباب وراء تراجع بعض الحرف وخاصة التراثية منها ظروف الحرب القاسية وغلاء الأسعار وبالتالي تسبب في ضعف القوة الشرائية للمواطن الذي بات أكبر همومه كيفية تدبير الطعام والتدفئة والدواء لأسرته , وفقد الكثيرون اهتماماتهم التي باتت من الكماليات ,
وأضاف : كان هناك تراجع ملحوظ في الحرف والحرفيين خلال السنوات الماضية، لكن الرقم عاد ليرتفع من جديد،وحاليا عدد المسجلين وصل حوالي 15 ألف حرفي، يتوزعون على ٣٢ جمعية حرفية، منها:ميكانيك السيارات والصواجة والبخ , النجارة و الحدادة، البلاط و الحلاقة، المطاعم ومعقبو المعاملات , و الصاغة، الخياطة و الكهرباء والمواد الغذائية وغيرها الكثير ..
وأشار إلى التراجع الكبير في بعض الحرف مثل صناعة النحاسيات والفضيات والمشربيات والمطرزات والفخاريات، وغابت معها أسواقها، وحتى الآن لم تعد الأسواق القديمة مثل :النحاسون، النسيج ، الصاغة، العطارون، الخبازة والطباعة، الأحذية والخياطون، الفرواتية والعبي أو العباءات, والسكاكر, والفخار التي تعرضت تلك المحال للنهب والسرقة والكسر …
عودة مقبولة
تعد المنطقة الصناعية «على طريق حماة» من أقدم المناطق الصناعية والحرفية ضمن مدينة حمص ، وكانت تزخر بمختلف المهن وخاصة تصليح وصيانة السيارات إضافة للحدادة ونجارة الخشب والألمنيوم والأعمال الكهربائية والمفروشات والأثاث المنزلي وغيرها، وقد تعرض أصحابها للكثير من السرقة والنهب والخسائر على مدار سنوات الحرب ، مما دفع الجهات المعنية للاهتمام بعودة حرفييها إليها كي لا يتعرضوا للسرقة مرة أخرى.
وأشار رئيس المكتب القانوني إلى أن: خدمات البنى التحتية والهاتف والكهرباء بدأت بالعودة للمنطقة وخاصة المياه , والشوارع والأرصفة وضعها مقبول ..
ونوه إلى أن 75% من حرفييها وصناعييها قد عاد إليها, ويبلغ عدد المحال والورش العاملة حالياً 3500 وذلك من أصل 5000 محل، وسيزداد العدد مع إتمام جميع الخدمات للمنطقة ..
سرقة وتخريب
وأضاف :أما منطقة دير بعلبة الحرفية فهي مخصصة لمختلف أنواع الحرف، وقد تم تسليم 250مقسماً منها من أصل العدد الكلي للمقاسم 841 مقسماً، وقد تعرضت البنية التحتية فيها من هاتف وكهرباء للسرقة خلال الحرب، لذلك فإن عمل حرفييها مرهون بعودة الخدمات إليها، منوها أن المياه متوفرة والكهرباء قريبا ستكون في الخدمة ..
وأشار إلى أن ورش البلوك والرخام والبلاط التي كانت موجودة على طريق تدمر، قد تعرضت للكثير من أعمال النهب والسرقة، ولم يعد حالياً سوى 5% من تلك الحرف، وأن القسم الكبير من تلك الورش مرخص، وكان من المزمع تخصيصها كلها بمقاسم بديلة ، لكن ظروف الحرب غيرت بعض الخطط وأخرتها الى وقت آخر ..