الضغط المعيشي يضطر العمال لبيع وصل اللباس بقيمة مخفضة و الخسارة (مرتان) !! … (اللباس العمالي المجاني) حق للعامل دون غيره و التبديل غير قانوني

يعتبر اللباس العمالي المجاني أحد أهم المزايا المستحقة لشريحة واسعة من العمال ويشمل هذا اللباس ( البدلة والمريول والصدرية والحذاء والمانطو وغيرها ) ، كما يمنح للعاملين على شكل لباس صيفي أو شتوي ، عبر إيصالات توزع على العاملين ليتم استلام هذه الألبسة عبر إحدى المؤسسات والجهات العامة..
(العروبة) تستعرض اليوم هماً من هموم العمال وهو اللباس العمالي المجاني و كيفية التعامل معه..كونه يشكل واحداً من أساسيات السلامة المهنية للعامل ، ويمكن أن يشمل لباساً كاملاً ، وحذاءً وخوذة وقفازات ، وواقيات الغبار والضجيج .. إلخ ، وذلك تبعاً لنوعية العمل الذي يؤديه العامل والمخاطر التي من المحتمل التعرض لها… و بناء عليه فإن اللباس ليس شيئاً ترفيهياً يمكن الاستغناء عنه ، بل هو حاجة ضرورية تفرضها شروط العمل نفسه..

خسارة ربع القيمة
عدد من العمال و الموظفين من مؤسسات و شركات ومديريات متنوعة التقت بهم العروبة لتسألهم عن الفائدة المحققة من هذا اللباس فقالوا :إن توزيع اللباس يتم وفق طبيعة العمل التي نؤديها فعمال الصيانة لديهم لباس وقائي يختلف عن اللباس الذي يستحقه الحراس أو غيرهم ..
وأكدوا أن نوعية قفازات الحماية و الحذاء الوقائي جيدة لكن بالنسبة للباس الصيفي الذي يتم استلامه مرة كل عام واللباس الشتوي الذي نستلمه مرة كل عامين فالموضوع مختلف فنحن نستلم وصلاً بقيمة اللباس ونتزود به من صالة (وسيم) …وهنا بيت القصيد فإذا أردنا أن نقوم بعملية تبديل أي التزود بلباس لأسرنا أو بمواد أخرى فالقيمة الفعلية كبيرة جداً مقارنة بالسوق , و لذا نلجأ في بعض الأحيان لبيع وصل الاستلام بخسارة تصل إلى ربع القيمة وأحياناً أكثر وبذلك نستطيع شراء ما نحتاجه بشكل فعلي وبأسعار معقولة..
للأمر الواقع كلمته
عمال آخرون أشاروا إلى أن قيمة وصل اللباس الذي يستحقونه تقدر بثلاثة آلاف ليرة و هو مبلغ زهيد لايتناسب مع الأسعار الرائجة وإذا ما أردنا التزود بما نستحق من الصالات المحددة نتفاجأ بالفرق السعري بينها و بين السوق و نفضل غالباً بيع الوصل …
أحد العمال أشار إلى أنه معيل لأسرة تضم خمسة أولاد و بسبب الضغط المعيشي يضطر للتزود بمواد غذائية بدل اللباس الذي يستحقه وذلك من الصالة نفسها إلا أنه وبعملية حسابية بسيطة يجد نفسه خاسراً مرتين في الأولى عندما لم يتزود باللباس وبالثانية عند عملية التبديل إذ يخيره العامل في الصالة بين نوعيات محددة من المواد الغذائية وبماركات غير معروفة وقاربت صلاحيتها على الانتهاء أو بمواد غذائية ليست هي الحاجة الحقيقية للعامل .. وعلى مقولة ( إذا ما عجبك حط وامشي!!) و كأننا نأخذ شيئاً من جيبه الخاص أو نتزود بما هو ليس لنا!!
نوعية رديئة و بأسعار مضاعفة
موظفة أخرى ذكرت بأن قيمة وصل اللباس الذي تستلمه جيدة من الناحية المادية لكن من الناحية الفعلية فهي لا تشكل أي فائدة و ذكرت بأنها في المرة الأخيرة ذهبت للتزود بالمواد من صالة وسيم و اختارت قسم البياضات والمناشف واضطرت أن ترضخ للأمر الواقع و تتزود بما يسمح به الوصل ذو القيمة المالية التي تصل إلى أكثر من عشرين ألف ليرة سورية لكن القيمة الفعلية لما تزودت به لا تتجاوز السبعة آلاف ليرة إذا ما تم شراؤها من السوق , وقالت بأن الخسارة هنا للعامل و للجهة الحكومية و لا نعلم في مصلحة من تصب هذه العملية ككل؟
من جهتها أكدت إحدى العاملات بأن الكنزة أو البنطال وغيرها من الألبسة في الصالات سعرها يزيد عن السوق مرتين على الأقل و بنوعية وجودة أدنى متسائلة عن سبب عدم تحقيق الجودة و الأسعار المنافسة ؟
عامل آخر قال للعروبة هناك حالات عديدة يحق فيها للعامل الحصول على لباس عمل، وغالباً ما يتم استلام البدائل من قبل العمال وذلك تماشياً مع ضروراتهم المعيشية ، حيث غالباً ما تكون هذه البدائل عبارة عن مواد غذائية ، وخاصة بالسنوات الأخيرة ، وعلى الأغلب يقبل العامل بهذه البدائل مع الخصم بالقيمة عليها من حسابه ، وذلك كونها تؤمن حاجات ضرورية له ولأسرته في ظل الواقع الاقتصادي المعيشي الصعب.
بدل مادي لقسم على الأقل
من جهته أشار عامل آخر قائلاً: نتمنى صرف قيمة اللباس نقداً – على الأقل بالنسبة للباس الصيفي و الشتوي – ، كونها حق من حقوقنا ، وبما يتناسب والأسعار الحالية ، كي لا نكون ملزمين بلباس دون المواصفات والجودة والسعر، أوغير قابل للاستعمال في بعض الأحيان ، و غالباً نضطر لبيع إيصالاتنا لقاء التخلي عن جزء من قيمتها بهدف تأمين ضرورات المعيشة..
ما هو المبرر؟
ولن يفوتنا أن نذكر هنا أنه في عام 2014 صدر تعميم إلى جميع الوزارات والمؤسسات والشركات والجهات العامة بتأمين اللباس العمالي ، لجميع العاملين لديهم ، من شركتي الألبسة الجاهزة بدمشق (وسيم) والشركة الصناعية للملبوسات بحلب (زنوبيا وشمرا) ، وهما تابعتان للمؤسسة العامة للصناعات النسيجية ، وذلك بموجب اتفاق مباشر دون أي وساطة ، وكان صدور التعميم بهدف تنشيط الصناعات النسيجية التابعة للقطاع العام ، وتحقيق منفعة متبادلة للطرفين ، كما يفترض …
ولا بد لنا من الحديث هنا عن موافقة رئاسة الحكومة بتاريخ 18/5/2016 على توصية اللجنة الاقتصادية المتضمنة اقتراحات وزارة الصناعة بشأن تأمين هذا اللباس عبر شركة (وسيم) حيث يتم تجميع الطلبات لدى المؤسسة العامة للصناعات النسيجية لتقوم بدورها بتنفيذها عن طريق هذه الشركة حسب طاقتها الإنتاجية، بالإضافة إلى الجهات العامة الأخرى مثل السورية للتجارة والمؤسسة الاجتماعية العسكرية وغيرها…
ولكن – والتساؤل من قبل العمال – ما هو المبرر لتدني المواصفات والجودة وغلاء الأسعار عن السوق بمقدار الضعف؟؟
حيث أشار عدد من مستحقي اللباس العمالي إلى أن هذا اللباس لا يستثمر بالشكل الأمثل و فيه هدر مادي كبير على الطرفين الدولة والعامل وأكدوا أنه وبسبب الضغط المعيشي فإن العامل حتى وإن حصل على لباسه وحذائه فإنه يبيعهما ، وينتفع بثمنهما بدلاً من استخدامهما ,وهي حالات ليست خافية على أحد , و هذا واقع يجعلنا نتخيل حجم الضائقة المادية التي يعاني منها العامل على وجه الخصوص بسبب ضعف الدخل ..
وأكد أغلب من التقيناهم أنهم لايستفيدون من هذا الحق حتى لو تزودوا باللباس بسبب عدم الجودة ورداءة النوعية وعدم الإتقان في التفصيل والخياطة..
حق غير قابل للمساومة
العروبة توجهت لاتحاد العمال بحمص وأفادنا نائب رئيس الاتحاد حافظ خنصر بأن استحقاق اللباس العمالي المجاني حق للعمال دون غيرهم وهو حق غير قابل للمساومة أو التبديل بأي قيمة مالية ,حيث أحدث منح اللباس العمالي بموجب قوانين العاملين وبالأخص قانون العاملين رقم 50 لعام 2004 الذي ثبته و أشار أن كل عامل يستحق هذا اللباس وفق القانون ووفق الأنظمة الداخلية لكل مؤسسة و شركة و بالتالي فإن اللباس العمالي يخضع لقانون ناظم عام و نظام داخلي لكل مؤسسة أو شركة يحدد المستحقين له من الطبقة العاملة …
وأضاف يقسم اللباس العمالي إلى ثلاثة أنواع وهي الهندام ولباس العمل واللباس الوقائي والأخير جزء من الصحة والسلامة المهنية وهو اللباس الخاص بمهن محددة مثل عمال النظافة والإطفاء و صيانة الكهرباء وغيرها..
وأشار خنضر إلى أن قرارات رئاسة مجلس الوزراء نظمت اللباس العمالي وتم توزيعه وفق نسب مئوية على بعض الشركات و المؤسسات أولها المؤسسة العامة لصناعة الألبسة الجاهزة و هي أول مؤسسة تعطي اللباس للعمال المستحقين , والثانية هي السورية للتجارة , و الثالثة الوحدة الاقتصادية الإنتاجية لاتحاد نقابات العمال , والرابعة المؤسسة الاجتماعية العسكرية , مشيراً إلى أن توزيع اللباس يتم وفق نسب محددة من قبل وزارة الصناعة بناء على طلب من الجهة العامة وفق جداول اسمية واستحقاق اللباس العمالي للعاملين المستحقين ..
حيث ترسل الشركة أو المؤسسة طلباً للوزارة يتم بعده إحالة الطلب إلى واحدة من الجهات الأربعة ليتم تزويدهم باللباس وأوضح أن كل طبيعة عمل تفرض معها لباساً محدداً .
وأشار خنصر إلى أن كافة العاملين الذين هم على تماس مع خطورة عمل معينة يستحقون اللباس المهني و هو جزء من الصحة و السلامة المهنية مثل عمال الكهرباء و عمال محطة جندر وعمال حقول الغاز وعمال الحفارات و عمال الفوسفات والصرف الصحي و الطرق والجسور و الشركة العامة للبناء وغيرها من المهن التي تحقق خطورة معينة..
كما يستحق العمال في القطاعات الخدمية من الفئات الوظيفية الرابعة والخامسة قسم من اللباس العمالي المجاني بالإضافة للمستخدمين وعمال النظافة والمراسل حيث يتم منحهم اللباس العمالي بما يتناسب مع طبيعة عملهم وبما يتلاءم مع النظام الداخلي لكل مؤسسة أو شركة , ويتم منح اللباس الشتوي كل عامين مرة و الصيفي مرة كل عام بالإضافة إلى حذاء وقائي خاص بأعمال معينة كل عامين و جاكيت جلد كل عامين و معطف شتوي كل ثلاث سنوات ..
مشيراً إلى أن الأحذية وجواكيت الجلد من معمل الأحذية بمصياف والسويداء والجواكيت من المؤسسة العامة للدباغة حصراً ..
ليس قانونياً
وأضاف : يتم التأكيد في كل فرصة على ضرورة رفع قيم اللباس العمالي في الاعتمادات السنوية لكافة الجهات والمؤسسات العاملة ليتسنى للعامل الحصول على لباس عمالي ذو جودة عالية و بأسعار مدروسة
وأشار خنصر إلى أن عمليات التبديل ليست بالأمر القانوني ومن المفترض أن يتم إحضار اللباس إلى مواقع العمل و تسليمها لمستحقيها بحضور لجان مختصة أما الذي يحدث حالياً فهو تزويد العامل بوصل يكتب عليه القيمة المالية للحصول على اللباس من صالات محددة و لكن بسبب الضغط المعيشي يقوم العامل بالتزود بمواد أخرى استهلاكية في أغلب الأحوال وهو أمر غير قانوني و لكن يتم غض النظر ليتمكن العامل من الاستفادة من اللباس بشكل يناسبه أكثر بحسب تقديره هو دون غيره ..
ما بني خطأ فهو خطأ
وعند سؤالنا عن تحديد المواد التي يفرضها بعض البائعين في الصالات أشار خنصر إلى أن موقف الاتحاد من هذه الناحية ضعيف في المحاججة فما بني على خطأ هو خطأ , والبداية الخاطئة هي تنازل العامل عن حقه باللباس , و أوضح أن عملية بيع الوصل بمبلغ أقل من القيمة الفعلية هو أمر خاص بالعامل دون غيره ولايمكننا منعه من هذا الإجراء..
أما عن الفرق بالأسعار فأشار خنصر إلى أن الصالات التي يتوجه إليها العمال كلها تتبع للقطاع العام و لا يوجد فيها تلاعب بالأسعار , و إنما الفرق لعدم إمكانية هذه الصالات من البيع بعروض موسمية أو بتخفيضات معينة كما يحصل في السوق المحلية ,لكن وفي الجهة المقابلة لايتم رفع الأسعار بطريقة عشوائية أو دون دراسة إذا تقلبت الأسعار و لذلك نجد بأن الصالات تضبط السوق في بعض الأحيان …
مستمر و دون توقف
وأكد أن منح اللباس العمالي لم يتوقف في أي جهة – على حد علم الاتحاد – و إذا كان الواقع مخالفاً لهذا الكلام نأمل من العمال التوجه للاتحاد لمعالجة الخلل في حال وجوده بشكل فوري خاصة و أن اللباس العمالي حق من الحقوق المباشرة للعامل و لن يسمح بأي تجاوزات في هذا الموضوع , وأوضح أن الاتحاد مستمر بالمطالبة بتحسين الواقع ولن يتم القبول بتعويض مالي محدد ولاتنازل عن حق العامل ببدلة العمل مهما كان ثمنها , و يوجد مقترح حالياً بتشميل كافة العاملين في الدولة باللباس العمالي المجاني و تحسين نوعيته عن طريق زيادة الاعتمادات السنوية المخصصة لهذا البند.
وأكد أن العمل حالياً يتم وفق النظام القديم أي أن القيمة المالية لبدلة العمل متدنية إلى حد ما ويجب العمل على تعديلها وهو من أولى النقاط التي نظر بها مجلس الاتحاد العام لنقابات العمال في الدورة الثالثة عشر والذي عقد في 22-23 نيسان الماضي , و تمت الموافقة على تشكيل لجنة من وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل واتحاد نقابات العمال ووزارة المالية ووزارة التنمية الإدارية ووزارة الصناعة والوزارة المختصة لتحديد أنواع اللباس والجهات المانحة ومستحقي اللباس وربما سيتم تحديد القيمة لضبط الجودة لكن القرارات لم تصدر بعد..
فائدة مضاعفة
لايخفى أن خطوة تزود العمال باللباس من جهات محددة يحقق فائدة جيدة تتمثل في استجرار نتاج هذه الشركات ورفع طاقتها الإنتاجية والتسويقية وتطوير خططها , ورفع الطاقات الإنتاجية والتسويقية للشركات العامة المنتجة للأقمشة الصنعية والممزوجة والشركات المنتجة للأقمشة القطنية الممولة لشركات الألبسة , واستجرار مخازين الغزول المتزايدة في الشركات المنتجة للغزول , وتحقيق قيم مضافة في هذه الشركات التي تعاني مشكلات تسويقية ومخازين وخسائر , والمحافظة على حقوق العاملين وتحسين حوافزهم وتعويضاتهم … خاصة وأنه و بحسب الاتحاد المهني لعمال الغزل والنسيج فإن حصة اللباس العمالي بالشركات المنتجة من شأنه إنقاذ هذه الشركات وغيرها من الخسائر المتلاحقة ونقلها إلى الربح…ولكن لابد من تنظيم آلية تأمين الكساء العمالي لجميع العاملين بالدولة بصورة منتظمة وترشيد الإنفاق المالي …. و بهذا الخصوص صدر تعميم حكومي حدد بموجبه الجهات العامة التي تقوم بتأمين اللباس العمالي للعاملين بالدولة وذلك بالاستناد إلى توصية اللجنة الاقتصادية بهذا الخصوص حيث حدد التعميم أربع جهات لتأمين اللباس , وهي «الشركة العامة للألبسة الجاهزة (وسيم) – المؤسسة السورية للتجارة –المؤسسة الاجتماعية العسكرية – والوحدة الاقتصادية الإنتاجية التابعة للاتحاد العام لنقابات العمال والورش التابعة لها» بحيث تلتزم هذه الجهات بتأمين المطلوب عن طريق وزارة الصناعة وفق الطلبات المقدمة من جميع الجهات العامة.
وتكمن أهمية هذه الخطوة في تنظيم آلية تأمين اللباس العمالي لجميع العاملين بالدولة بصورة منتظمة وترشيد الإنفاق المالي المخصص لهذه الغاية , والأهم تشغيل الجهات العامة الإنتاجية والتسويقية وتأمين دوران مستمر لعجلة الإنتاج والتسويق على اعتبار أن معظم اللباس يتم تأمينه من الشركات الإنتاجية المحلية..
أخيراً
بانتظار قرارات جديدة تنصف العمال أكثر و تمكنهم اقتصادياً ليتمكنوا من تأدية دورهم – حتى ذلك الوقت – يأمل المستفيدون أن يتم لحظ النقاط التي سبق ذكرها و دعمهم بشكل فعلي و تحقيق مرونة أكثر و رفد العامل بمكتسبات تمكنه من التفرغ لمهنته ليبدع أكثر و لينتج أكثر..

هنادي سلامة

المزيد...
آخر الأخبار