يعتبر القطاع الزراعي « بشقيه النباتي والحيواني « الركيزة الأساسية في بيئة الاقتصاد السوري، وهذا لا يعني أن القطاعات الأخرى : الصناعي – التجاري – التنموي.. ليس لها أهمية ، لأن دورها مكملا ً للقطاع الزراعي في دعم اقتصادنا الوطني ، لذلك ركزت الدولة في خططها وبرامجها على إيلاء القطاع الزراعي الأهمية القصوى، وذلك من خلال تأمين وتوفير مستلزمات الإنتاج،وإقامة المؤسسات التجارية ، والمنشآت الصناعية التي تعتمد في عملها على المادة الأولية الزراعية .
وإذا تتبعنا وضع القطاع الزراعي لعرفنا أن تطورا ً كبيرا ً حصل له سواء في طريقة وأسلوب العمل ، وفي عملية تأمين مستلزمات الزراعة وتسويق المنتجات الزراعية بشكل يضمن حق وتعب المزارع، ولكن الذي يحدث أن هذا القطاع يتعرض لهنات وتحدث فيه بعض السلوكيات الخاطئة التي تؤدي إلى حدوث أضرار صحية لدى الناس، نذكر منها : سقاية المزروعات والخضار بمياه الصرف الصحي الملوثة ، ومياه بعض المنشآت الصناعية غير المعالجة ، وإذا سألنا عن الأسباب تكون التبريرات جاهزة ونذكر بعض الأمثلة على ذلك : بعض المزارعين في قرية تل الشور- الواقعة إلى الجنوب الغربي من مدينة حمص – يقومون بري مزروعاتهم من مياه خط مجرور الصرف الصحي المكشوف، والذي يصب في النهاية بمجرى نهر العاصي، وليس من المستبعد أن يكون نفس الوضع في قرى أخرى واقعة بالمنطقة كالمشاهدة وعيصون وبرابو وحديدة ونقيرة وكفرعايا وجوبر ومزارع بابا عمرو ..
عدم توفر المازوت
وحسب مصدر في بلدية تل الشور، فإن المزارعين الذين يستخدمون مياه الصرف الصحي في سقاية مزروعاتهم ، يستسهلون الطريقة لأن المجرور مكشوف ، ولا تكلفهم أعباء مالية ، هذا من جانب ، ومن جانب آخر فإن عدم توفر المازوت وغلاء أسعاره «إن وجد «يجعل المزارعين الذين لديهم محركات ديزل لسحب المياه من الآبار ،لا يشغلونها ،ويلجؤون إلى استخدام أية مياه في ري أراضيهم ،يضاف إلى ذلك عدم إطلاق المياه في قناة الري المتفرعة عن سد بحيرة قطينة «كما كان الوضع سابقاً» جعل المزارعين في القرى الواقعة على جانبي مسار القناة ، في حيرة من أمرهم بكيفية تأمين المياه لسقاية المحاصيل الزراعية التي تعتمد في الخطة كالبطاطا والبصل والثوم والحمص وغيرها .وفي هذه الحالة فهم ملزمون بتنفيذ بنود الخطة ،أو الخضار لسد حاجاتهم المنزلية كالبندورة والباذنجان والبقدونس …وغيرها ، ويطالبون الجهات المعنية بإطلاق المياه في قناة الري في الأقسام الصالحة منها ،ولو بكمية محدودة لاستخدام المياه في ري أراضيهم ،وبعد ذلك تتم محاسبة ومخالفة كل مزارع يستخدم مياه الصرف الصحي وغيرها في إرواء مزروعاته .
إذن من أجل منع وردع المزارعين عن استخدام المياه الملوثة (صرف صحي وصناعي )في سقاية المزروعات والخضار التي تستخدم كغذاء للإنسان سواء كانت نيئة أو مطهية ، في الأماكن التي ذكرناها سابقاً وفي أمكنة أخرى ،من المطلوب من الجهات المعنية ،تأمين مصادر مياه مضمونة ،وتوفير مستلزمات الحصول على مياه الري من الآبار الموجودة .
فوائد وأضرار
إن سقاية المحاصيل الزراعية بمياه الصرف الصحي «حسب رأي أحد المهندسين الزراعيين « تفيد من ناحية لأن ما تحمله من مواد عضوية تعتبر بمثابة سماد عضوي للنبات فيزيد الإنتاج ،وبذلك يستغني المزارع عن استخدام السماد ، وهذا يعتبر أحد بنود التوفير في تكاليف الإنتاج . والعبرة بذلك ان المزارعين سابقاً كانوا يستخدمون لتسميد الأرض روث الحيوانات ( أبقار – أغنام ) بعد عملية تخميرها , وحتى في هذه الأيام ، فإن بعض المزارعين يستخدمون روث الحيوانات وزرق الدواجن لتسميد الأرض إلا أن أسعارها مرتفعة .
والفائدة الثانية تتحقق للمزارع من جراء استخدام مياه الصرف الصحي ، من خلال توفير التكاليف المادية التي من المطلوب أن يدفعها فيما لو استخدم محرك الديزل أو قوة الكهرباء في تامين المياه من الآبار .
أما استخدام مياه الصرف الصناعي غير المعالجة في ري الأرضي الزراعية ففيه الكثير من المخاطر والأضرار .
العدوى بالأمراض الإنتانية
وحول الأضرار الناجمة عن استخدام هذه المياه تحدث الدكتور أمين الصباغ فقال: في القرن التاسع عشر ، وفي إحدى الروايات جاء« لو سقينا الأراضي الزراعية بمياه الصرف الصحي لكفينا العالم بأسره غذاء» هذا المعتقد السائد آنذاك يقوم على أن هذه المياه المليئة بالفضلات البشرية تحتوي على الكثير من المخصبات الزراعية إلا أن الأمر انقلب رأساً على عقب بعد عهد لويس باستور وكوخ اللذين أوضحا طرق انتقال عدوى الأمراض، وظهر بعد ذلك إمكانية انتقال العدوى بالأمراض الانتانية خاصة إثر سقاية المزروعات بمياه الصرف الصحي غير المعالجة ، إذ يمكن أن تنتقل عدة أمراض منها الجرثومية (كالحمى التيفية والسلمونيلا) والفيروسية ( كالتهابات الكبد) والطفيلية (كالزحار والجيارديا).
وهنا نشير إلى أن الغسيل العادي والطهي الجيد للأغذية التي نأكلها ، قد لا يكونا كافيين من أجل تخليص المزروعات بما تحتويه من مواد مياه الصرف الصحي
إذن لابد من معالجة علمية كافية لتلك المياه .. و من ثم التعامل مع الخضار و المزروعات الأخرى بطرق الوقاية الصحية اللازمة
و أضاف : بعد الثورة الصناعية و ازدياد عدد المعامل و المنشآت الصناعية « كالمصانع و المطابع و المدابغ و البطاريات و الدهانات « ظهر العديد من الأمراض الناجمة عن تناول الأغذية التي تروى بمياه الصرف الصناعي غير المعالجة حيث تتركز العناصر الضارة و المعادن الثقيلة في الخضار و تنتقل للبشر إما مباشرة نتيجة لتناول الخضار ذاتها أو بشكل غير مباشر عن طريق تناول لحوم و حليب الحيوانات التي تتغذى على الأعلاف المصنعة من النباتات و المزروعات التي تروى بالمياه الصناعية …
جولات … وجولات
ولمعرفة الإجراءات المتخذة من قبل مديرية زراعة حمص للحد من قيام بعض المزارعين من استخدام المياه الملوثة في سقاية المزروعات والخضار التي تستخدم كغذاء للإنسان , وماذا عن تأمين مصادر مياه مضمونة ..وفي حال ثبت قيام المزارعين بالسقاية ما العقوبة المتخذة بحقه … قمنا بالاستفسار من مديرية زراعة حمص فجاء الرد المقتضب التالي : تقوم دوائر المناطق الزراعية في مديرية زراعة حمص بجولات دورية على الأراضي الزراعية المزروعة بالخضراوات للتأكد من عدم استخدام مياه الصرف الصحي ومياه الصرف الصناعي في ري المزروعات وتنظيم الضبوط اللازمة في حال استخدام هذه المياه في ري الخضراوات لما تشكله من أضرار على صحة الإنسان استنادا إلى القرار الوزاري رقم 8/ت لتاريخ 3/1/2006 الصادر عن وزارة الزراعة بالمادة رقم 21 المتضمن ما يلي : تقيد أنواع المحاصيل المسموح ريها بمياه صرف صحي معالجة كما هو مذكور في المواصفة رقم /2752/ الصادرة عن هيئة المواصفات والمقاييس العربية السورية الخاصة بمياه الصرف الصحي المعالجة المستخدمة في الري , وتحظر زراعة الخضراوات والمزروعات التي يثبت أنها تروى من مياه ملوثة , وتؤثر على صحة الإنسان والحيوان , وينظم بها ضبط من قبل اللجنة الزراعية المكانية ويحال للقضاء أصولا ..
وفيما يخص الضبوط المنظمة بهذا الخصوص أشار إلى أنه تم تنظيم محضر ضبط رقم /8/ تاريخ 22/10/ 2009 قرية الدوير, ومحضر ضبط رقم /21/ تاريخ 10/11/2009 قرية الدوير ..
بقي أن نقول :
قامت العروبة بالعديد من الجولات على ريف المحافظة وزرنا الكثير من القرى , وأثناء تلك الزيارات نوهنا إلى قيام المزارعين في تلك القرى بسقاية المزروعات بمياه الصرف الصحي وتوقعنا اهتمام مديرية الزراعة بهذا الموضوع الحساس والذي يتعلق بالحفاظ على حياة الناس ومن خلال عدد الضبوط المرسل إلينا وتاريخها نتساءل هل من المعقول أن مديرية الزراعة لم تستطع ضبط أي مخالفة بعد ذلك التاريخ خاصة وأننا كنا نذكر أسماء تلك القرى في جولاتنا ؟؟!!ويبقى الجواب برسم المعنيين الذين نأمل منهم زيادة الرقابة حرصا على حياة المواطنين فيما يأكلون …
رفعت مثلا – بشرى عنقة