ميلاد فؤاد ديب في مجموعته: «ما أبسط أن تكون وحشاً»

الشاعر (ميلاد فؤاد ديب) صوت شعري له خصوصية مميزة لا يمكن تجاهلها لمن يفهمون الحداثة الشعرية على حقيقتها.
بعد قراءة المجموعة الشعرية (ما أبسط أن تكون وحشا) يظن القارئ بسهولة كم هو بسيط أن يكون هو شاعرا أيضا.
فالإنسان كي يكون شاعرا ما عليه سوى أن ينكفئ إلى داخله، ويستسلم دون تفكير لأحاسيسه ولمشاعره في خامتها الأولى، وكأنه أول إنسان يسير فوق هذه الأرض، وبذلك يصبح وحشا حقيقيا، وشاعرا أيضا!
ومفهوم التوحش هنا يعني العودة إلى بساطة الإنسان في حيز غرائزه الفطرية، حيث يصبح التوحش طفولة بريئة لدرجة الإفراط غير الملوث بالزيف الذي صار شائعا لدرجة صار هو القناع الرسمي للبعض.
( أخذوا قلبه
وقليلا من البراري
والوحوش الحالمة
وتركوا أضلاعه
تتباعد بحرية ).
هذه البراءة المتوحشة، على بساطتها النافرة، تأتي بقسوة لتمزق بصدق لا يمكن تحمله، كل أقنعة الخداع.
( أستطيع أن أقول
أنت والوحش
جميلان ).
وهكذا يجتمع التوحش الضاري، والبساطة الودودة، ليشكلا معا وجهين لشيء واحد، حيث يفترض كل وجه حضور الآخر، بقدر ما كل وجه هو نقيض الآخر تماما.
( أحدهم ترك غيمة يابسة
على بابه
ولم يفكر بالمطر
الذي يهطل في الداخل ).
وهذه العلاقة الجدلية المتناقضة، وأيضا المتآلفة، تتبدى في صور عنيفة بقدر حميميتها، لتشكل لوحة فسيفسائية تعبر عن مشاعر متنافرة ومتوافقة معا، لتصرخ بصوت مرتفع، ولتهمس بصوت بالكاد يسمع، عما يعتلج في النفس البشرية من رغبة حقيقية في الحياة بكل ما فيها من ملذات، بقدر ما تعبر في الآن نفسه عن رغبة دفينة في الانسحاب من الحياة، للاستسلام للموت سريعا، في جدلية أخرى.
( خذوا أصابعي الفاحمة
واكتبوا على قبري
هنا يرقد شاعر
علق اليخضور بدمعه ).
وكم هي جدليات الدهشة حاضرة في الديوان ضمن حيز ميتافيزيقي يفتح العينين بحد السكين، لتريا العالم ليس كما يبدو، بل كما هو بالفعل، لهذا تصبح المشاهدة اكتشافا مستمرا لدى كل نظرة.
( جلس وراء الوراء
وبعينين مقفلتين
أبصر الدهر ).
حقا ما أبسط أن يكون الإنسان وحشا جميلا، يكتشف العالم بعيني طفل غير مدجن.
* * *
أما إذا نظرنا للموضوع ذاته من وجهة معاكسة، فسنكتشف أنه ما أبسط أن يكون الإنسان وحشا بالفعل.. ولكن هنا يكون الوحش ضاريا، يفوق كل أنواع الوحوش المفترسة قسوة، ونذالة، وخسة.
وهذا النوع من الوحوش يحاول الفتك بالشعر قبل أي شيء آخر.. بالرغم من بساطة هذا الشعر!
ربما لأن البساطة الشعرية، اعتراض على التوحش المثقل بالعقد غير القابلة للحل!!
سامر أنور الشمالي

المزيد...
آخر الأخبار