أذكر تماما ً أنه منذ مدة تزيد عن عشرين عاما ً أو أكثر ، وربما ثلاثين أو أربعين أن أهالي القرية كانوا يستنكرون استنكارا ً شديدا ً قيام أحد مربي الأغنام أو الأبقار بذبح غنمة أو بقرة مريضة وإرسالها إلى سوق الغنم أو البقر في المدينة لبيعها.
ويرون في ذلك حراما ً مابعده حرام ،وينظرون إلى مرتكب العمل نظرة فيها الكثير من الازدراء والاستهجان، لعلمهم أن الذين سيتناولون لحم هذه الذبيحة التي كانت مريضة هم أناس فقراء «يسترخصون اللحم دون أن يندموا في تناول مرقته» ، فهم على قلتهم في ذلك الزمن يشبهون أغلبية مواطنينا في هذه الأيام الصعبة .
المواطنون اليوم أصبحوا نباتيين رغما ً عنهم وهم يعلمون سبب ذلك ، فهم فقراء لايملكون خيارا ً ، ولابد لهم من شراء كمية ولو قليلة من اللحمة لإرضاء أسرهم، أو أنهم يثقون بقصابين يشترون اللحمة من عندهم باستمرار ولايكتشفون أنهم يتلاعبون بمضمون المادة إلا في وقت متأخر ، أو أنهم يعرفون ويسكتون معتمدين على صحة جهاز الهضم عندهم ، ويقولون أننا أكلنا أكثر من مرة ولم نصب بأذى وهم يعرفون عدم صحة كلامهم هذا ، وإن من لم تظهر الإصابة عليه مباشرة فإن الضرر سيلحق به مستقبلا ً إذا استمر بتناول طعام ملوث . وأكثر من هذا أذكر أن أحد الفلاحين كان في أرضه بئرا ً يسقي بها مزروعاته ، وبالقرب من هذا البئر مياه جاريه نظيفة لكن بعد مدة تحولت إليها بعض مجارير الصرف الصحي فأصبحت المياه ملوثة، ولأنه استمر على سقاية مزروعاته من هذا البئر، استهجنوا موقفه ، وأصبحوا يتهامسون باستمرار ،وبعضهم يتحدث جهارا ً عن فعله المشين بقوله أليس حراما ً وعيبا ً أن يسقي مزروعاته من هذه البئر ويبيع منتجاته لبشر لايعلمون ذلك وقد يصابون بالكثير من الأمراض…هذا منذ فترة ليس بعيدة جدا ً .
أما اليوم فإن المزارعين في قرى عديدة ومناطق واسعة يسقون مزروعاتهم بمياه الصرف الصحي جهارا ً نهارا ً وقد تحدثت عنهم العروبة في إحدى تحقيقاتها ويبررون عملهم بأن المازوت غير متوفر لتشغيل المحركات التي كانوا يستخدمونها سابقا ً لسقاية المزروعات كليا ً أو جزئيا ً أو أن الجهات المعنية لاتطلق المياه في ساقية الري لأن أجزاء منها مازالت مخربة وهكذا تبريرات تغض الطرف عنها مديرية الزراعة ، وصحة حمص وإن قامت بفعل شيء فهو لتبرير موقفها ، وعدم قيامها بواجبها ، وقد تبرر ذلك بموقف إنساني لأن في ذلك زيادة للإنتاج يعود بالفائدة على المزارع والمستهلك .
وهم يعرفون أن الضرر أكبر من النفع بكثير ومع ذلك «يطنشون» فقد يكون في ذلك راحة لهم وربما يفسرون عدم قيامهم بواجبهم أيضا ً عدم وجود المازوت والبنزين للسيارات التي يركبونها لمشاهدة مخالفات مرئية لجميع الناس ، فإلى متى يستمر الحال على هذا المنوال ؟.
أحمد تكروني
المزيد...