رجال الإطفاء يعيشون الخطر ليمنحوا غيرهم الأمان … المكافآت والحوافز لا تتناسب مع حجم العمل الشاق والمرهق
رسائل إنسانية نبيلة يقدمونها كل يوم للحفاظ على أرواح المواطنين وممتلكاتهم العامة والخاصة , و هم يؤدون مهامهم الصعبة على مدار الساعة يعيشون لحظات الخطر ليوفروا لغيرهم الأمان….ساعات طويلة يقضيها رجال فوج الإطفاء بحمص يقارعون فيها النار التي تمتد على مساحات واسعة مسببة حرائق كبيرة تلتهم الأراضي الزراعية خاصة في الريف المترامي الأطراف , و آخرها حريق كبير حدث في قريتي «جبلايا وعين الغارة» امتد بين الأشجار والأعشاب ,حيث تمكن رجال الإطفاء رغم سرعة الرياح من إخماد الحريق بعد عمل دام ثماني ساعات.
العروبة زارت عناصر فوج الإطفاء بحمص في مقرهم لمعرفة ظروف وواقع العمل والخدمات الموجودة والصعوبات التي تعترض عملهم كالحاجة الماسة لترميم المبنى و تجديد أثاثه و تحسين طبيعة العمل و المكافآت و العلاج الصحي و اللباس و الطعام ..
ميزة وحيدة
خلال حوارنا مع بعض العناصر أكدوا حصولهم على ميزة وحيدة وهي رفع بدل الطعام من 750 ل.س إلى 3 آلاف ليرة شهريا ,لكن المكافآت و طبيعة العمل لا تتناسب مع حجم مهامهم مع قلة العناصر و الآليات و الصهاريج خاصة في موسم الحرائق حيث يتم الاعتماد على الفوج بنسبة 90% في الريف و المدينة علما أن المهام الموكلة للفوج حسب النظام الداخلي تقتصر على المدينة و ضواحيها.
و أضافوا :نسعى أن نكون في جاهزية تامة فالمطلوب منا الوصول في أقصى سرعة ممكنة إلى مكان الحادث, وقد تعرضنا خلال سنوات الحرب للقنص من قبل المجموعات المسلحة و قدمنا التضحيات و أخمدنا آلاف الحرائق وسنبقى على استعداد لتنفيذ أي مهمة توكل إلينا.
دور مهمش
تحدثوا بفخر عن إنقاذهم للأرواح البشرية والممتلكات العامة والخاصة «فعند تكليفهم بأي مهمة يسارعون لنداء الواجب لأن عملهم إنساني بالدرجة الأولى « هذا ما أكده الإطفائي محمد اسماعيل مضيفاً: في المقابل دور رجل الإطفاء مهمش جداً لا يقدره إلا المتضرر وأهله من جراء الحرائق أو الغرق وغيرها ….. ورغم ظروف العمل الصعبة تعويض طبيعة عملنا قليلة جداً علماً أنها محددة في القانون 50% ولكننا لا نحصل عليها .؟! ونتمنى من المعنيين معاملتنا أسوة بعمال الكهرباء أو عمال صناعة البطاريات لكونهم يتعرضون لنفس ظروف العمل «الغازات السامة « أو الكدمات أو الكسور.
نقص بدلات و هواتف
يقول نورس الكوسا «أحد العناصر»نعاني من نقص بدلات الغطس وملحقاتها , ما يعيق القيام بالمهمة بالشكل الأمثل الذي يضمن حياتنا ومع ذلك نقوم بالمهمة فنحن نملك الطاقة البشرية والمعنوية لكن ينقصنا العتاد المطلوب.
و أضاف : في غرفة العمليات نستقبل البلاغات ونبلغ المهمات للمراكز التابعة للفوج باستخدام الهاتف الأرضي كوسيط علما أنه يجب أن يكون هناك مقسم ومنظومة لاسلكي وهذا غير متوفر ونستعمل الهواتف الأرضية التي لا تفي بالغرض وفي أكثر الأحيان غير متوفرة و لدينا 30 خطا نستخدم منها 15 خطا والذي يعمل حقيقة 3 خطوط فقط .
من المهن الخطرة
آمر الفئة مالك أحمد نوه لصعوبة العمل فقال:رجل الإطفاء معرض لجميع الأخطار ومطلوب منه التواجد بلحظات في مكان الخطر وعلى الرغم من النقص الحاصل في عدد العناصر بسبب ظروف الحرب التي أرغمت البعض على السفر أو التسرب أو الاستقالة أو المرض أو الوفاة مما يعني مضاعفة الجهود والمسؤوليات الملقاة على عاتقنا, إلا أن الجميع يؤدي دوره على أكمل وجه, فعلى الأقل مساواتنا بعمال المهن التي تعد خطرة مثل «عمال الكهرباء» فنحن مصنفون حسب قانون العمل من المهن الخطرة لكن نسبة 8% كطبيعة عمل تعتبر قليلة مقارنة مع الخطر و الجهد المبذول .
و يضيف :عمل الإطفاء جماعي و كلما كانت المجموعة مدربة و أعدادها مناسبة يتم تدارك الخطر, ومن المؤسف أن البعض لا يقدر ظروف عملنا الصعبة وإمكانياتنا المتواضعة ويتهمنا بالتقصير و أن استعداداتنا خجولة قياسا لحجم الخسائر الكبيرة و أنه علينا التواجد خلال مدة قصيرة وينسون الصعوبات التي قد تعيق وصولنا و حجم الحرائق الكبير .
جاهزية تامة
قائد فوج الإطفاء العقيد عثمان جودا تحدث قائلا: فوج إطفاء حمص يعمل بجهوزية تامة على مدار «24» ساعة في مراكزه الثلاثة: المركز الرئيسي في شارع الحضارة وهناك فرع بحي الزهراء وآخر بحي الغوطة «ويتم حالياً تأهيل مركزي الوعر وشارع القاهرة» , و يغطي حرائق المدينة بالكامل مع الريف و قد نفذ العام الماضي (906) مهام تنوعت بين إطفاء حرائق وتواجد في أمكنة الحوادث لتقديم المساعدة و انتشال جثث غرقى ضمن المدينة وخارجها ولأن محافظة حمص من المحافظات الكبيرة المساحة فإن حجم العمل المطلوب من عناصر الفوج كبير جدا و لا يتناسب مع الإمكانيات المادية والبشرية الموجودة لديه.
ضعف الإمكانات
و تابع جودا : يعاني الفوج من ضعف الإمكانيات البشرية حيث يوجد 110 عناصر فقط و سائقين موزعين على المراكز الثلاثة و تم تزويدنا مؤخرا بآليتين كما يوجد صهريجان فقط جاهزان وعشرة صهاريج خارج الخدمة, وهي بحاجة لتأهيل كامل و قد خرجت معظم مراكز الريف عن الخدمة مثل «تلكلخ والقصير والمخرم و الرستن وتدمر» ما أثر سلباً على عملية إطفاء الحرائق بالوقت المثالي والمراكز الموجودة بحاجة للصيانة و كافة المستحقات الواردة في نظام الإكساء منذ عام 2012 لا يتم تأمينها وما يتم تأمينه منها لا يفي بالغرض و الفوج بحاجة لمحطة اتصال لاسلكي لتسهيل العمل وهناك نقص في الكادر البشري المؤهل حيث يحتاج الفوج لـ 38 جندي إطفاء وسائق بالإضافة إلى الآليات والعربات الضرورية للعمل والمركز الرئيسي بحاجة لأبواب وسور.
التأمين جزئي
و أضاف جودا: نعاني من نقص استحقاقات عناصر الفوج و هي واردة في بند الإكساء الصادر عن وزارة الإدارة المحلية فالتأمين جزئي و العام الماضي لم يؤمن سوى 30% من استحقاقات العناصر التي تقدر ب67مليون و هذا العام تم رصد 4 ملايين فقط و هي غير كافية لتأمين بدلة واحدة من أصل 4 بدلات ليظهروا بالمظهر اللائق و لتكون معنوياتهم عالية و هو حق لهم و ليس عطاء, و حتى الآن لم يشملهم الضمان الصحي , و الأدوية المقدمة لا تفي بالغرض و المشافي بحاجة لتحسين مستوى خدماتها , ونتمنى أن لا يبقى الضمان الصحي لعمال الإطفاء محصورا بالمشفى العمالي بل يجب أن تستقبلهم كل المشافي لأنهم يتعرضون للإصابة أثناء إخماد الحرائق حتى في الريف , و نطالب دائما بتعويض النقص الحاصل نتيجة الجهود و المهام الكبيرة التي ينفذها فوج الإطفاء ونحن موعودون من قبل وزارة الإدارة المحلية أن يكون الدعم كاملا مطلع العام القادم.
زادت الأعباء
و أضاف : يقوم الفوج بإطفاء الحرائق بكافة أنواعها والتواجد أثناء حوادث الطرقات إضافة لعمليات الإخلاء و الإنقاذ أثناء تعرض منطقة لكارثة ما و حوادث الغرق, و حاليا لدينا عنصران يتبعان دورة إنقاذ في اللاذقية و منذ فترة انتشلنا 3 غرقى من «سد زيتا» و غريقا من بحيرة «رام جبل» و الأسبوع الماضي من نهر العاصي و لكن في سد الرستن لم نتمكن من انتشال الغريق لأن العمق حوالي 90 مترا كون العناصر مدربة على أعماق تصل ل 35 مترا فقط , أما في حوادث السير نتدخل لإنقاذ المصابين لحين وصول عناصر الهلال الأحمر وعناصر قوى الأمن الداخلي ,لكن بعد عودة الأمن لمحافظة حمص, ازدادت الأعباء على رجال الإطفاء مع بقاء نفس الإمكانيات و الدعم بسيارتين لا يكفي ففي شهري «آيار و حزيران» لهذا العام تم إطفاء أكثر من 1000 حريق , ومنذ بداية العام الحالي حتى الآن تم إخماد 1300 حريق و هذا الرقم لم يتم تجاوزه في العام الماضي.
حرائق الأعشاب الأكثـر انتشارا
و أضاف:تنوعت الحرائق التي ساهمنا في إخمادها ما بين حرائق أعشاب وخزانات كهرباء و تسريب غاز و منازل ومعامل, وحرائق الأعشاب كانت الأكثر انتشاراً في عموم المحافظة ولاسيما المناطق الريفية كالقصير و تلكلخ والطرقات الرئيسية كطريق عام حمص- طرطوس وطريق عام حمص – دمشق .. كما أن كثرة حرائق المنازل التي تعود لماس كهربائي يعود للسلوك الخاطئ الذي يمارسه المواطنون في التعامل مع الأدوات الكهربائية حيث يضطرون بسبب التقنين الطويل الذي يحرمهم من الكهرباء لإتمام كافة أعمالهم المعتمدة عليها وتشغيل أجهزتهم دفعة واحدة والخروج من المنزل لأعمالهم تاركين هذه الأدوات قيد التشغيل مثل المدافىء والمراوح والشواحن وغيرها, و أغلب حوادث الحرائق المنزلية تحدث بوجود أطفال متروكين في المنازل لوحدهم ما يعرضهم للموت, و أكثر الحرائق كانت في «بابا عمرو و القصير و جب الجراح و مكسر الحصان» و هناك حرائق موسمية تحدث كل عام في الشهرين الخامس و السادس في الأراضي الزراعية نتيجة ارتفاع درجة الحرارة و بعضها لكثرة الأعشاب في المدينة و الحدائق العامة و ضمن المؤسسات وكنا نعاني من هواتف الإخبار الكاذب لكنها حاليا قليلة بعد عودة الأمان للمحافظة ويتم اتخاذ الإجراءات الصارمة بحق أصحابها .
في أوقات متقاربة
و ختم جودا :مواسم هذا العام بقدر ما كانت خيرة أوقعتنا بكم كبير من الحرائق و الخسائر في تواقيت متقاربة ,ما أدى لتوزيع العناصر والمعدات على عدة مناطق لكن تم انجاز العمل بفضل التعاون و التنسيق مع الدفاع المدني و دائرة الحراج في مديرية الزراعة و بعض المؤسسات كمصفاة حمص و الشركة العامة للأسمدة و نقل النفط الخام و يتم التنسيق مع وحدات الريف للقيام بإحصاء الجرارات الزراعية و الصهاريج لدعوتهم عند الضرورة ومساندة سيارات الإطفاء ,و هذا يخفف الكثير من الحرائق كما يمكن استخدام السدود النارية برش التراب لمنع انتشار النار من منطقة لأخرى أو بالمياه أحيانا ونعمل على نشر التوعية بين الناس و في المدارس لتعليم أبنائنا كيفية تلافي الحرائق ….
قروض الموازنة ضعيفة
و نقلنا هموم عناصر الإطفاء لمدير المدينة المهندس حسان النجار الذي قال :فوج إطفاء حمص هو من أهم الجهات العاملة في مجلس مدينة حمص لاسيما و أنه يعمل على درء الأخطار و الحرائق و مساعدة المواطنين بتجنب الخطر المحدق بممتلكاتهم علما أن المستوى الفردي أو العام و قيادة الفوج هي من أهم ركائز العمل و لا ننفي أن هناك نقصا بالمستلزمات و الاحتياجات التي تؤثر على عمل الفوج بالشكل الأمثل لكن مجلس المدينة يسعى لتأمين هذه المستلزمات نظرا لأهمية عمل عناصر الإطفاء و الخطر الذي يهدد حياتهم و حياة الآخرين, فهناك مجموعة إشكاليات و نقاط ضعف من جهة المكان المناسب و نقص الآليات أحيانا يكون تأمينها ضعيفا من قروض الموازنة, و لا بد من رفع الكتلة المادية لتحسين شروط عمل الفوج و نسعى لإضافة عناصر جدد من خلال مسابقة سيتم الإعلان عنها بسبب تسرب عدد من العناصر و بعضهم مرضى أو متقاعدون , ما يؤدي للضغط على ورديات العمل و كذلك يحتاج الفوج لقاعات تدريب مناسبة و نحن بصدد ترميم مركزي الإطفاء في شارع القاهرة و حي الوعر و بالتالي ستعود البيئة المناسبة بشكل أفضل و ما يهمنا هو التوزيع الجغرافي لمراكز الإطفاء بشكل متوازن لتفادي حرائق المدينة و نقوم بتوسع أفقي لكامل الأحياء و هناك دراسة ميدانية دائمة في هذا الموضوع.
مشروع تجاري
و أضاف النجار :مركز فوج الإطفاء الرئيسي بشارع الحضارة هو أحد العقارات الهامة بموقع استراتيجي تم تحويله لصفة تجارية و قد صدرت التعليمات التنفيذية من وزارة الإسكان بتعديل الصفة التنظيمية للعقار و سينفذ كمشروع تجاري يحقق واردات كبيرة لمجلس المدينة و وهو عبارة عن مجموعة مكاتب و محال تجارية بالإضافة للمطاعم, و من المتوقع أن يرفد هذا المشروع مجلس المدينة بعائدات لا تقل عن 400 مليون ليرة في العام و هذا المبلغ مع مبالغ أخرى مستثمرة تدعم واردات مجلس المدينة التي تتزايد بقدر توسع خدمات المجلس.
موقع جديد للفوج
و تابع مدير المدينة :لدينا بديل مناسب لاستيعاب عناصر فوج الإطفاء على طريق الشام و تحديد المكان يلعب فيه دور البعد و القرب و أهم مواقع الفوج الجديدة ستكون في حديقة طريق الشام و هناك مجموعة غرف هامة يمكن أن تكون كمركز , ومن الضروري أن يكون البديل الاحتياطي مناسب و جيد و قريب من مركز المدينة لإمكانية التخديم و الوصول بأسرع وقت ممكن.
نحن مقصرون
و أضاف النجار:مهما قدم مجلس المدينة لعناصر الإطفاء فهو مقصر لكن هناك واقع معروف و ظروف صعبة خلال فترة الحرب على سورية أدت إلى تراجع الإمكانيات و الخدمات لكنها بالتأكيد ستعود و نسعى لتكون أفضل من السابق بكثير فعمل رجال الإطفاء خطير و يحتاج عناصره إلى دعم كبير و هو قليل مقارنة بجهودهم نحاول تأمين لباس مضاعف ببدلة احتياطية تكون جيدة.
آليات جديدة
و عن رأيه بإمكانية تحسين الأداء في إطفاء الحرائق الكبيرة في الريف قال النجار: يجب أن تسعى الوحدات الإدارية لتأمين مستلزمات إطفاء الحريق و لكن هناك صعوبات في تأمين الآليات بنفس السوية ومع ذلك تسعى الوزارة دائما لرفد الريف ,حيث قدمت ثلاث آليات جديدة للريف مؤخرا و عددا من الصهاريج ورغم أن هذه المستلزمات تقع على عاتق مراكز الريف إلا أنه يتم تأمينها من خلال الوزارة من مضخات و خزانات و أجهزة رش لتأمين إطفاء الحريق لكن عملية التبريد و الخبرة التي يكتسبها العناصر تساهم برفع سوية الأداء و تأمين المؤازرة و هناك مكتب جاهزية و غرفة عمليات لكن أحيانا في الحرائق الكبيرة التي لا يمكن السيطرة عليها يتم طلب المؤازرة من بقية المراكز و حاليا بالرغم من ضعف الإمكانيات فان عناصر الإطفاء يقومون بعملهم على أكمل وجه.
حالة ايجابية
أما موضوع نقل فوج الإطفاء لملاك محافظة حمص فقد أوضح النجار أن هناك اقتراحات بهذا الشأن و أن نقل الفوج للمحافظة هي حالة إيجابية حيث يمكن لمجلس المحافظة أن يؤمن اعتمادات أفضل من موازنة المحافظة و تحسين شروط العمل لكن في الوقت الحالي استبعد إمكانية ذلك قبل سنوات.
بديع سليمان