في مكان ما تلامس أطرافه جليد القطب، وفي مجتمع حقيقي أو متخيل صدر قرار منذ بضعة عقود بإلغاء – أنتم – في مخاطبة – أنت –
أي الابتعاد عن تضخيم –أنت –وتفخيمها ، ومخاطبة الآخر باسمه دون أية ألقاب أو مقدمات ودون أية صفات ، أي دون سوابق أو لواحق بالمعنى اللغوي .
أثارني كلام ذلك الصديق المفاجىء القادم من ذلك المكان البعيد بعد أربعين عاماً من الاغتراب فقلت له أتمنى ان تتلاشى في مجتمعاتنا – أنتم – في مخاطبة –أنت –وأن نبتعد عن التهويل والتعظيم في الألقاب .
لأن نصفها أصبح نوعاً من تغطية السما بالعمى وإخفاء العورات والنصف الآخر يصب في خليج عقدة تعويض النقص التي تحدث عنها عالم النفس الشهير(سيغموند فرويد ) . ولذلك صار السؤال الشرس يطرح دائماً . كم من أصحاب الألقاب يستحق لقبه ؟!! وكم عدد الذين حصلوا على ألقابهم بجدارة واستحقاق ؟!
يبدو أننا لا نزال متأثرين بأجواء السير الشعبية التي أنتجتها عصور الانحطاط والتي عبرت عن تطلع الذليل إلى العزة والضعيف إلى القوة والفقير إلى الغنى مازلنا متأثرين بأبي الفوارس عنترة وأبي ليلى المهلهل الزير سالم ، وأبي زيد الهلالي ..
وأتذكر هنا صديقاً رياضياً كان منتصباً كالرمح قال لي : كنت معجباً بابي الفوارس عنترة ، فهو بضربة سيف واحدة يقضي على عشرة فرسان ولكنني استصغرته عندما ذهبت إلى البحرين وعرفت انه كان يعيش هناك ، فأنا بكف واحدة أستطيع أن أرمي عشرة رجال من آل خليفة وغيرهم …ولكن زعيم آل خليفة ضاق عليه لقب الأمير فأصبح ملكاً والمثير للاهتمام أن تضخيم –أنت –إلى انتم وتعظيمها طغى على حياتنا الثقافية والفنية ، ولم يعد غيره طافياً على السطح .
فللطرب سلاطينه وقياصرته وملوكه وفرسانه وسادته .
وللشعر أمراؤه وعظماؤه فهذا الشاعر الكبير وذاك الشاعر العبقري وآخر شاعر المليون ، وللرواية شيوخها وعباقرتها وكبارها فهذا يقول : العربية أنجبت المتنبي ولم تنجب بعده شاعراً إلا انا ..!!
وآخر : يغضب ويحرد ويقشعر بدنه إذا لم تصفه بالشاعر الكبير أو شاعر العصر أو شاعر القرن على الأقل ، وإذا تواضع قليلاً قال : أنا أمير الشعر في القرن الحادي والعشرين .
وعلى ذكر الأمير ، أعترف أنني فرحت من كل قلبي وأعماق أعماقي مرتين :
المرة الأولى عندما ضرب ابن العراق –المنتصر الزيدي – الرئيس جورج دبليو بوش بحذائه.
والمرة الثانية عندما بصق الطفل الفلسطيني – الذي لا أعرف أمه – على ذقن الامير السعودي الذي يزور المسجد الأقصى المحتل صهيونياً مزهواً بمزويته ونظارته ، لأن بصاق هذا الطفل اختصر موقف الشعب الفلسطيني في رفضه الاحتلال الصهيوني والتطبيع معه.
د. غسان لافي طعمة