أن يكتنز المرء معرفة بُعداً تفاعلياً, يغني الذات والموضوع ضمن ثنائية العلاقة الجدلية والتكاملية ما بين الفرد وذاته , والفرد والمجتمع والحياة , فهذا يشكل دلالة شخصية نامية غير مسطحة , بل تنمو مع الحياة , فترى المرء بذلك يدرج في العمر سنيناً , وبالمعرفة امتلاء فيربح الزمان قيمة بما اغتنم من حصاده , ونهل من مشارب معارفه وثراء خبراته واكتسب من مهارات فيصير بذلك وفق سعة استجاباته ربحاً لذاته ولغيره , ويزهو عمقاً نافعاً ليغدو مكانة حضور يشار إليه بالبنان .
أن يكتنز المرء بالمعارف أمر جميل , ولا سيما في زمن التدفق المعرفي , لكن مع انتشار وسائط التقانة في مدارات القرية الكونية , وفضاءات المجتمع الالكتروني لم يعد الأمر رهن سعة معارف , وإنما الحذاقة في إعطاء قيمة مضافة تتأتى بأساليب عدة , يتقدم ذلك إعمال التفكير بأنواع مستوياته , وهذا الأمر يقوى إذا ما خبر المرء مثاقفة القراءات المتأتية للدراسات والبحوث ومراجع ترتبط وعلمي النفس والتربية , ومدلولات القراءات الفلسفية التي ترسم محددات وتؤكد مؤشرات في مسار آليات الإقناع , ومنطق الجدل , وبراعة التفكير و إعمال الحدس والمحاججة البرهانية وربط النتائج بالأسباب عبر مواصفات تجمع بين العبارات المقننة لتشكل سداد « المفهوم والمصطلح « من جانب والعلاقات الحسابية التي تفضي عبر الأرقام إلى مفهوم « التكتيم « تكثيفاً لوعي مدروس من خلال منهجية التفكير .
والتفكير لدى ثالوث الفلسفة الإغريقية : سقراط , أفلاطون , أرسطو يدعو في مركزية المشترك بينهم إلى الحجة والمنطق وتحديد المصطلحات ضمن مركزية العقل وسلطته في الحكم على مسائل ترتبط بمنظومة الأخلاق وغير ذلك وليتم التوكيد على أن وظيفة العقل إنما التفكير … هذا التفكير الذي نظر إليه علم النفس في تحقيق تكامل وتنظيم الخبرات من جانب واكتشاف الاستجابات الصحيحة من ناحية أخرى وهذا الترابط بين وعي علمي الفلسفة والنفس إنما هو صدى واقع بحثي ومراجعات ودراسات وقراءات وتتالي نظريات معرفية لتحليل نفسي معياري أيضاً لأن التفكير في المحصلة مجمل العمليات العقلية من تصور وتذكر وتخيل وتحليل وتعميم ولأنه جمع لما سبق فهو إفادة من خبرات الماضي واستقراء الحاضر والعمل على المستقبل فيكون الناتج الموضوعي قيمة مضافة من ربح للزمن عبر تجاوز التأمل السادر العابر إلى التأمل المدروس الموضوعي في رسم معالم مشروع ينهض معمارية بناء يعود بالنفع العام والخاص أيضاً , فلا يغدو بذلك التفكير عملاً بالفراغ بل هو نشاط لأدواته من الكلام الباطن إلى اللغة الصامتة إلى الصورة الذهنية و المصاحبات النفسية , يضاف إلى ذلك حضور الشخصية النامية عبر مسار المعرفة العالمة قراءات جادة ومتبصرة ونافذة فيأتي المنتج المعرفي جراء التفكير وظيفة من لطائف العقل علامات من صوى على معالم درب يغمر الحاضر وينشد المستقبل وفق موضوعية عاقلة يقوى فيها المنطق , ويتلاشى المزاج وصور الميول , وقد أضحت النتائج حقائق تتجاوز آراء عابرة إلى حد كبير , وتتلاشى أيضاً الأمية العاطفية لتصبح سداد عاطفة يحتفي بنزاهة ما يكتشف أو يتوصل إليه من نتائج .
هذا كله يحدد مواقف سلوكية منتظمة وهادفة وبذلك حتى الانفعالات ترشد , حالها حال الماء المندفع أمسكت الضفاف هدره وبذلك يصير التفاعل ما بين أي موضوع ذاتي مرهوناً بجدل المنطق على المستوى الذاتي أكان منطلق التفكير أساسياً أو مركباً في نوعه , ومرد ذلك إلى تجسيد التجارب والخبرات عبر مواقف تستبطن خبرات تعاقب الزمن للفرد وغيره , وإذا ما كان الأمر في قضية ما , ما بين إقدام في رغبة أو إحجام عنها حيال أي موضوع يطرق أبواب رغبات المرء و آماله أو ما يخطط له , فمؤشرات المنطق صممت إطاراً منطلقاً لمنطق النتيجة فكرة , ولتجسيدها واقعاً وسلوكاً …
ومع تنامي المعرفة سطوراً أو حضوراً أو إدراك كفة الواقع تزداد الخبرة وتقوى مهارة التفكير في إجرائية العمليات العقلية , ومحكات العصف الذهني وتحفيز أنواع الذكاءات , وبالتالي سرعان ما ينعكس الأمر من مقاربة إجرائية وسيلية عابرة بسيطة العصور إلى سبيكة مكثفة من قناعات عقلية تقييم حروفاً على مرتكزات معرفية ومنظومات فكرية واستدلالات عقلية سرعان ما تتراءى مواقف سلوكية ينتقل فيها المرء في أي ردة فعل من إنسان مشابه إلى كثير من غيرة في أعمار أقران زمنية ضمن عمر زمني إلى الإنسان الرسالة في وعيه المتتابع ليكون مدرة معرفة على شرفات العمر العقلي فتراه يتفرد في مقاربة النتائج ودهش التعبير عن المواقف على حين يبقى غيره في خبط عشواء من لملمة تعثراته في حيرة من أمر وقد أوقعته انفعالاته من حبائل مواقف تتسربل بالعاطفة والمزاج وقلة التجارب وفقر المعرفة واكتناز الخبرات والمهارات فلا يستوي الدرب استقامة خطاه على خلاف من وطد نفسه شرفات تفكير على مطلول عمر عقلي لأن التفكير ثقافة علوم وسلوك بشر .
نزار بدور