تؤتي ثمار البحث العلمي أُكُلها و تثبت مرة بعد أخرى أن الوسائل العلمية هي الأدق و الأنجح و الأوفر من حيث التكلفة و الأسرع زمنياً بل و أغلبها يحقق الاستدامة أي أن مفعولها يدوم طويلاً .. وتبذل الكوادر المتخصصة جهوداً كبيرة في سبيل تعميم التجارب العلمية لأغلب المحاصيل الزراعية بغية التخفيف من تكاليف الإنتاج ورفع مستواه كماً و نوعاً..
بدل المبيدات الكيميائية
وفي تصريح للعروبة ذكر المهندس محمود غصة رئيس دائرة المكافحة الحيوية في مديرية زراعة حمص أن العمل حالياً بصدد التعريف عن إنتاج فطر التريكوديرما وهو أحد الفطور المستخدمة في المكافحة الحيوية لمكافحة فطريات التربة (فطريات الذبول)..
وأشار إلى أن الفكرة ليست حديثة الولادة وتم العمل بها مسبقاً بآلية المكافحة عن طريق هذا الفطر في بعض المحافظات السورية و هي اللاذقية و طرطوس و حماة ..
وبالنسبة لحمص ذكر غصة أنه تم إحداث الدائرة في شباط من العام الحالي و تم الانطلاق بالعمل لنشر ثقافة المكافحة الحيوية و الاستعانة بها قدر الإمكان بدل المبيدات الكيميائية ..
وأضاف : نعمل بداية على تنمية الفطر في بيئة مناسبة , وذلك من خلال سلالة مأخوذة سابقاً من بعض المواقع و تحضيره على درجة الحرارة المناسبة لنموه ,مشيراً إلى أن الأطباق البترية مزروعة و جاهزة بعد تحضير لمدة سبعة أيام حيث يتم تحضير البيئة أولاً و تعقميها لتكون جاهزة لعملية الزرع من طبق سابق ..
نجاح منقطع النظير
وأضاف : في العام الماضي تم إنشاء معمل لإنتاج التريكوديرما على شكل بودرة بمحافظة حماة , وبعد نجاح التجربة صدر القرار بأن تكون هذه المادة مأجورة بعد أن كانت توزع بالمجان – في فترة التجريب – و حالياً بدأنا بإعداد دراسة جدوى اقتصادية ليتم بيعه بسعر التكلفة الأدنى المحدد بمبلغ 1500 ل.س للكيلو الواحد توزع وفق استمارات موضوعة في الوحدات الإرشادية أو بشكل مباشر في النافذة الواحدة في مديرية الزراعة على أن يتم توزيعها من قبل لجنة مشكلة من دائرة المكافحة الحيوية بالمحافظة , و تتم المتابعة بشكل مباشر من قبل الكوادر المتخصصة و التواصل مع المزارعين لتشجيعهم على استخدام المكافحة الحيوية للتخفيف قدر الإمكان من استخدام المبيدات الكيميائية وخصوصاً في التربة, حيث يتم التوزيع بعد تقييم الواقع عند كل مزارع و تحديد حاجته من المادة..
توفير جيد
و بالنسبة لريف حمص ذكر غصة أنه وخلال سنوات سابقة تم استخدام آلية المكافحة عبر فطر التريكوديرما في منطقة تلكلخ وخاصة في البيوت المحمية سواء البندورة أو الفريز و غيرها من الزراعات , كما تم استخدامها في أراضي الزراعات المكشوفة (الخضار الصيفية)…
من خلال العمل السابق كانت النتائج رائعة لاستخدام هذه المادة في المكافحة على فطريات الذبول في التربة و حققت توفيراً كبيراً في الاستغناء عن المبيدات الكيميائية و الحصول على منتج زراعي نظيف من مخلفات هذه المبيدات ..وهو أمر أدى إلى نجاح ترويج هذه الطريقة ..
و حالياً بدأنا بتوزيع المادة على المزارعين حيث تم الاكتتاب على كميات وصلت إلى ثلاثة أطنان , ويتم توريدها تباعاً حسب رغبة المزارع في وقت الزراعة , إذ يجب استخدام المادة قبل فترة أسبوع أو عشرة أيام من الزراعة مع الري ليتمكن الفطر من تشكيل الحيز حول الجذور عند الزراعة للقضاء على أي فطر يمكن أن يهاجم العائل سواء البندورة أو الفريز أو غيرها..
فائدة مستدامة
و أكد غصة أن أهمية الفطر ليست فقط مكافحة الفطريات و إنما تخفيض ph التربة (الحموضة) من 5 إلى 5,5 بحيث يسهل عملية امتصاص المحلول الغروي مع المواد الغذائية من قبل الجذور أي أنه يعمل عمل الأحماض الأمينية , بالإضافة إلى إنتاجه العديد من الأنزيمات التي تساعد على عملية النمو و الانتشار بشكل أوسع ..
وأكد أن الفطر له أهمية كبيرة في عملية تنشيط المجموع الخضري في الامتصاص و زيادة الإنتاج…
وأوضح أن كل هذه العوامل أدت إلى نجاح استخدام هذه المادة والإقبال على شرائها و نأمل توسيع نطاق هذه العملية , مؤكداً أن مديرية وقاية النبات مع مديرية الزراعة تبذل جهوداً كبيرة بهدف تشجيع المزارعين لانطلاقة هذا العمل وفي المستقبل القريب سيتم افتتاح معمل بحمص لإنتاج المادة على شكل بودرة ممزوجة بأبواغ الفطر..
وأشار إلى أن مديرية الوقاية بدأت بتخصيص مبالغ مالية لتجهيز مخبر في القريب العاجل ..
و يتم حالياً إنتاج الأطباق البترية التي يساوي كل منها كيلو من البودرة كل 1غ يجب أن يوجد فيه بحدود عشرة ملايين من الأبواغ الفطرية.
وعن طريقة الاستعمال أوضح غصة أنه يجب حل الطبق بالماء و تعقم به التربة, وتكرر عملية السقي خلال عشرة أيام قبل الزراعة ..
حمص .. الأكـثـر ترويجاً
وأضاف : وصلت الكمية المباعة إلى طن واحد, و يتم استئناف البيع حسب حاجة كل مزارع وذلك عن طريق مديرية الزراعة دائرة المكافحة الحيوية , أو عن طريق الوحدات الإرشادية أو الجمعيات الفلاحية..
مشيراً إلى أن البيع يتم وفق البلاغ 2150 والذي يوضح آلية الاكتتاب والتوزيع و البيع و قبض المبلغ أصولاً ..
ومن الممكن أن يتم التوزيع بشكل مباشر على المزارعين , وتترافق عملية استخدام الفطر مع جولات مكثفة من قبل المتخصصين لشرح طريقة الاستخدام بالشكل الأمثل.
وأشار إلى أن التوزيع يتركز حالياً في مناطق تلكلخ و قطينة و القرى المحيطة بهدف استخدامه على محصول البطاطا ..
و نوه إلى أن حمص هي المحافظة الأكثر ترويجاً لهذه المادة, و يتم توزيعها وفق النسب الموصى بها من قبل وزارة الزراعة ,حيث يلزم لكل دونم أو بيت بلاستيكي كيلو غرام واحد من البودرة أو طبق بتري واحد في حال كان الاستخدام وقائي أما في الحالات العلاجية يلزم لكل دونم أو بيت بلاستيكي 2 كغ أو طبقين بتريين مؤكداً أن التكلفة لا تتجاوز 10% إذا ما قورنت بتكلفة المبيدات الكيميائية ومضمونة أكثر ..
وأشار إلى أن الميلسيليوم للتريكوديرما ينافس الفطور الممرضة حيث يلتف حوله و يتطفل عليه و يقتله , موضحاً أنه يمنع منعاً باتاً استخدام المبيدات الكيميائية للتربة , حيث أن الفطر يعمل عملها و بالتالي يمكن الاستغناء بشكل كامل عن المبيدات المستعملة في التربة ..
من أهم الفطريات
وعرف غصة المكافحة الحيوية بأنها استخدام الكائنات الحية (الأعداء الحيوية) لحماية النباتات من الآفات و ذلك بتخفيض أعدادها إلى ما دون الحد الاقتصادي الحرج و منع هذه الآفات من الوصول إلى المستوى الذي يسبب الضرر الاقتصادي .
مشيراً إلى أن التريكوديرما من أهم الفطريات المستخدمة في المكافحة الحيوية لأمراض النباتات المنقولة عن طريق التربة و يعود الاستخدام الواسع له إذ يكافح أمراض الذبول و سقوط البادرات و أعفان الجذور ويتميز بآليات متعددة التأثير عن الآفات الفطرية و هو مخصب و آمن و مستديم..
آلية العمل
وأوضح أن آلية عمل التريكو ديرما عند الإضافة للتربة هي المنافسة على المكان و الغذاء حيث يشكل التريكوديرما درعاً حول جذر النبات يمنع وصول الفطريات الأخرى إلى سطحه وله قدرة عالية في الحصول على الغذاء و حرمان فطريات التربة الضارة منه مؤدياً إلى موتها , كما أنه يعمل بآلية التضاد أي أنه يعزز مواد طيارة و غير طيارة تكون سامة و تثبط نمو الكائنات الأخرى و تعيق استعمارها للجذور مؤدية لإبادتها .
بالإضافة لعمله وفق آلية الافتراس إذ يعزز التريكوديرما أنزيم الكيتيناز فيحلل الكيتين في جذر خلايا الفطريات المجاورة فترتفع نسبة الكيتين في منطقة التحلل ما ينبه خيوط التريكوديرما لإنتاج انتحاءات نحو منطقة التحلل تلتف حول الفطر الضار و تلتصق به وتمتص مواده الغذائية مما يؤدي لموته .
كما أن التريكوديرما يقوم بتحفيز آلية الدفاع لدى النبات هو ليس ضار بالنبات فعلياً و لكن النبات كرد فعل لوجود الفطر و اختراقه لسطحه يقوم بعملية دفاع بإفراز مركبات مضادة أو من خلال تدعيم الجدار الخلوي بإفراز ترسبات عليه و هذه الاستجابة تنتقل إلى الأوراق و الساق مما يحميها من خطر هجوم الممرضات (على مبدأ اللقاح ) .
ميزات استخدام التريكوديرما
و أكد غصة أن الفطر المذكور ليس مادة كيميائية فهو غير ملوث للبيئة كما أنه آمن وسهل التطبيق ,ومستدام بمقارنته مع المبيدات الأخرى باستدامة تأثيره إذ يتكاثر بعد إضافته للتربة على عكس المبيدات الكيميائية التي يتراجع تأثيرها مع مرور الزمن…
و الميزة الأهم للتريكوديرما أنه الحل الأمثل و الأكثر عملية في حل مشاكل التربة الناتجة عن الفطريات الضارة , فهو مخصب حيوي ينتج محفزات النمو التي تزيد من سرعة إنتاش البذور و قوة نمو النبات , ويزيد من حموضة الوسط مما يجعل العديد من العناصر الغذائية متاحة للاستفادة منها قبل النبات وذلك بإنتاجها للأحماض العضوية ..
و أشار غصة إلى أن كل غرام تربة في العالم يكاد لايخلو من أبواغ التريكوديرما التي عرفت بقدرتها المثبطة لنمو الفطريات ومنذ عام 1930 تم استخدام العديد من السلالات في المكافحة الحيوية للفطريات الممرضة على النبات و على العديد من المحاصيل مثل الفريز و البقوليات و الخيار و البندورة و الفجل و القطن و الشوندر السكري …الخ
ويشكل فطر التريكوديرما المادة الفعالة لخمسين بالمئة من مجمل المبيدات الحيوية المنتجة عالمياً , وهو سهل العزل ونموه سريع و لايحتاج لمتطلبات غذائية خاصة..
وعن موفولوجية الفطر ذكر غصة بأنها مزارع سريعة النمو سطحها أبيض شفاف ناعم و غزل فطري متناثر و خيوط الفطر مقسمة الشكل و متفرعة 1,5-3 مايكرون و يبلغ قطر الحوامل الاكونيدية الرئيسية حوالي 4,5 مايكرون و تنتج حوامل جانبية عديدة و متفرعة ..
وأكد غصة أن عمل المكافحة الحيوية لا يقتصر فقط على التريكوديرما ولكن بدأ العمل به لعدم وجود تجهيزات مناسبة , ويتم استخدام أساليب علمية للمكافحة الحيوية وإطلاق المتطفلات أو وفق آلية الافتراس مثل أسد المن الذي تم إطلاقه على أشجار الكينا و الفستق الحلبي بمحطة البحوث الزراعية..
محمد بلول