تحية الصباح .. ثنائيات

يذكر أبناء جيلي ذاك الرجل المديد القامة الموغل في العمر والاجتهاد الذي كان يفرد الكتب ويبسطها – بسطة – على رصيف جدار – السراي – دار الحكومة الجنوبي ، كان يفردها في الصباح ويلمها في المساء ، وبين الزمنين كان يقرأ كتاباً من كتبه المعروضة ، وكنا نسارع إلى تأمل العناوين وكانت عناوين كتبه متنوعة غنية من الروايات المترجمة إلى روايات جرجي زيدان التاريخية إلى عبرات ونظرات المنفلوطي ، إلى أجنحة جبران خليل جبران المتكسرة وأرواحه المتمردة وبدائعه وطرائفه وليس انتهاءً إلى تعلم الإنكليزية بدون معلم .. وكان ذاك الرجل يبيع في اليوم عشرات الكتب وفي اليوم التالي يعوض على بسطته ما فقدته من كتب ..
وأمس قام أديب من ألمع أدباء حمص – رغم أنه لم يدخل مدرسة قط – قام بوضع مجموعة من مجلاته وكتبه على الرصيف أمام مكتبته وبيته لأنهما ضاقا عن الاستيعاب، وأخذ يراقب المشهد -.
مضى النهار ولم يتوقف أحد لأخذ كتاب أو مجلة ، وحده جاره المقابل صرخ : من وضع هذه الزبالة على الرصيف ؟!
فسارع الأديب المعروف بمرحه وخفة ظله بالإجابة على سؤال جاره ، أنا وضعتها .. ولكنها كتب ومجلات .. فكر وعلم وأدب وفن … وضعتها على الرصيف ليأخذها من يشاء ويستفيد منها .. فأبدى الجار أسفه الشديد وحسرته على جهله وقال له : لو قلت من الأول كنت أعطيتها لعمال ورشة الطرش والدهان الذين يعملون في بنائي فهي تلزمهم كثيراً ويحتاجونها بإلحاح ..!!
ويذكر أبناء جيلي وكل الناس أن – الديك – ذلك الطائر الوسيم المزهو بنفسه كان الميقاتي الوحيد لبزوغ الفجر وميلاد الصباح ، فهو بصوته الجميل يضبط الزمن وينبه الناس إلى ضرورة الاستيقاظ ، حتى كان يقال في التعبير عند الاستيقاظ المبكر : استيقظت قبل صياح الديك ، ولعل شهرزاد راوية حكايات ألف ليلة وليلة كانت تسكت عن الكلام المباح عندما يصيح الديك ويطلع الصباح .
وأما اليوم فإن لدى جيراننا ديك ذو صوت جعاري – قبيح يسرح ويمرح في بستان كبير ، ويتوّج نفسه ملكاً على دجاجات كثيرة ، ولكنه فقد أمرين هامين : الصوت الرخيم المتميز في عالم الديكة فأصبح صوته كنباح كلب مسعور ،… والتوقيت الزماني فهو يجعر في كل الأوقات .. صباحاً ، ظهراً ، مساءً .. ليلاً وكأنه فقد الإحساس بالزمن وصارت عقارب ساعته خارج الجاذبية … ولكنني التمست العذر لهذا الديك المزعج …فإذا كانت الحرب الكونية الهمجية على وطني سورية قد غيرت أصوات الكثيرين بل سلبت بعضهم أصواتهم فخرسوا ، وفقدوا البوصلة الحقيقية في المكان والزمان .. فما حال الديك إذاً ؟!!

د.غسان لافي طعمة

المزيد...
آخر الأخبار
العريضة بريف حمص الغربي الأغزر مطرا . في احتفالية أيام الثقافة السورية .. محاضرة في  ثقافي حمص بعنوان : "الوطن في  الأدب العربي قديمه وحدي... في ختام ورشة “واقع سوق التمويل للمشروعات متناهية الصغر ‏والصغيرة”.. الجلالي: الحكومة تسعى لتنظيم هذه... سورية: النهج العدائي للولايات المتحدة الأمريكية سيأخذ العالم إلى خطر اندلاع حرب نووية يدفع ثمنها الج... فرز الخريجين الأوائل من المعاهد التقانية إلى عدد من الجهات العامة أفكار وطروحات متعددة حول تعديل قانون الشركات في جلسة حوارية بغرفة تجارة حمص بسبب الأحوال الجوية… إغلاق الموانئ التجارية والصيد بوجه الملاحة البحرية مديرية الآثار والمتاحف تنفي ما يتم تداوله عبر وسائل الإعلام حول اكتشاف أبجدية جديدة في تل أم المرا ب... رئاسة مجلس الوزراء توافق على عدد من توصيات اللجنة الاقتصادية لمشاريع بعدد من القطاعات القبض على مروج مخـدرات بحمص ومصادرة أكثر من 11 كغ من الحشيش و 10740 حبة مخـدرة