أذكر أن أستاذي الأديب الناقد حنا عبود تحدث في محاضرة مضى عليها أكثر من عقدين من الزمن ، عن أصل هذا النداء الشعري الموسيقي : ياليل .. يا عين وقد قدم رؤيته في هذا الموضوع وردها إلى أصلها أو جذورها الميثولوجية الأسطورية ، فياليل .. هي من : ياليليت .. وياعين هي من كوني عيناً ساهرة . وليليت هي ربة المهد السومرية التي تهز أسرّة الأطفال كي يناموا .. وأن فيروز عندما غنت :
يا الله تنام ريما ياالله يجيها النوم
ياالله تحب الصلا يا الله تحب الصوم
كانت تمثل دور – ليليت – ربة المهد السومرية التي شوهها يهود بابل وجعلوها شيطانة تخنق الأطفال بجدائل شعرها الأسود.
واليوم أعود لألملم بعض الفرضيات التي وضعت في تفسير هذا النداء الشعري الموسيقي الشائع كثيراً : ياليل .. ياعين ..!!
فالمعلم بطرس البستاني اللبناني صاحب مجلة – الجنان – يرى في قاموسه المعروف : محيط المحيط . أن : ياليل هي من : إيل . أي الله ، فيالليل : يا الله .
وفي العربية : ليل وفي الأشورية : أللو . وفي الآرامية : لليا..
بينما يرى الدكتور جورج بوست الذي كان أستاذاً في الجامعة الأمريكية ببيروت أنها من لفظ : هللويا . أي الفرح والحمد . أي أن : ياليل. احمدوا الله . وحسب التفسير القبطي : ليل الفرح والطرب ، فتصبح : ياليل .. ياعين اطربي يا عيني وافرحي .ويؤكد ذلك العلامّة عيسى اسكندر المعلوف عضو مجمع اللغة العربية في دمشق أن :يا ليل في القبطية :يا طربي وقيل :إنّ لفظ :يا ليل .أصله :يا هلال ،ويرجع عهده إلى العصر الجاهلي حيث كان العرب يعبدون القمر .
وذكر الأب جرجس شلحت الحلبي أنّ كلمة “يا ليل “هي قريبة من كلمة :هاليل .السريانية وتعني :انشد أو انشدوا وكأن هذا القول ايعاز من المنشد إلى السامعين ليشاركوه الغناء .والبعض يرى أنّها قد تكون من (أنليل )إله السماء والأرض والخصب ،وهو الأصل في المخاطبة والمناجاة .وتطور هذا الاسم حتى أصبح –ليل –إلى جانب ياء النداء :يا ليل .
وذكر الأستاذ عوني الإخلاص الحلبي أنّه ورد في السير والتواريخ اسم :عبد يا ليل كما ورد اسم :عبد يغوث ،عبد شمس …وذلك نسبة إلى الأصنام التي كان يعبدها العرب ….ويقول :وليس ببعيد أن صنم (يا ليل )هو رمز العرب في الحب والجمال في حين يذكر خليل مردم بك الدمشقي وكاتب النشيد الوطني –حماة الديار –
أنّ أصل لفظة :يا ليل .هو :يا ليلى ،من أعلام النساء كان العرب يتغنون به …
ويرى الدكتور فؤاد رجائي أنّ :يا ليل .ليست سوى لفظ يستعمل لمجرد إرسال الصوت بالنغم لا أكثر ولا أقل ،وأن منشأها الترنم في الموشحات الأندلسية وهذا الترنم هو وضع بعض ألفاظ إضافية على كلمات شعر الموشحة الأساسي .
وذلك لإتمام الإيقاع الموسيقي .ومن بين هذه الكلمات :يا ليل ،يا لا ،يا لالا .ومن الطرائف ما ذكره الأستاذ محمد مصطفى حمام حيث قال :روي أن الحاكم بأمر الله الفاطمي منصور بن عبد العزيز أمر يوماً بأن يكون العمل بالليل والنوم بالنهار وقيل أيضاً من آثار الحاكم المذكور التغني بالليل والعين ،وقد سار هذا التغني وأداه المغنون في الحفلات أو الجلسات الخاصة ومنهم من كان يردد ذلك كتسلية لنفسه بأنغام وألحان متنوعة .
ومن الجائز أن المنشدين قد تغنوا بلفظة “يا ليل “مناجاة لليل وسكونه ..أو محاكاة لهدوئه وشجونه .
وقد ورد في الموسوعة العربية ما يلي :”يا ليل يا عين لفظان يكثر الملحنون العرب تلحينها في مقامات الألحان ويكثر المغنون الغناء بتصرف فيهما ،استهلالاً قبل الدخول في لحن ،أو إرسالا في عنير الألحان ،أو بالنظم فيهما على ضرب إيقاع معين ،وقد يستعملان لازمات لحنية في أواسط الأدوار وفواصلها اللحنية وفي نهاياتها ،وهذان اللفظان مألوفان في الألحان المصرية خاصة ،ولعل مرجعهما إلى أصل فرعوني أو مصري قديم بمعنى :استيقظي يا عين .
والمهم أننّا ما زلنا نغني :يا ليل يا عين ،وإن اختلفت الفرضيات والتفاسير .
د. غسان لافي طعمة