الجولان الحبيب، الهضبة التي تسكن قلوب السوريين وتجد لها مكانا ً عزيزا ً بين الخفقة والخفقة، هوالجرح الذي أراده الكيان الاسرائيلي نازفا ً في الخاصرة السورية منذ نكسة حزيران 1967 وحتى يومنا هذا ، يوم وقف جبل الشيخ شاهدا ً على وحشية من تسلّلوا وأجرموا في عتمة غدرهم وهجّروا آلاف السوريين من مدنهم وقراهم محملين بالحكايا والحنين، يحتفظون في جيب الروح بمفاتيح بيوتهم وذكريات الأرض السليبة ، من ينصت اليوم إلى حكاياهم يدرك حجم حنين لاينطفىء إلى بساتينهم العامرة وآبار الماء والينابيع وسمك طبريا، من يتذكر أشواقهم يبثونها إلى أهاليهم في رسائل شفهية تعبر « وادي الدموع» بين عين التينة وتلال الجولان المحتلة ، من ينصت إلى قصص أبطالنا وأسرانا في السجون والمعتقلات الإسرائيلية ورحلة كفاح طويلة لاتنتهي.
خمسون عاما ً و الكيان الصهيوني يسطو على أجمل وأغنى خزان ماء في الشرق الأوسط، ويستثمر شركاتها السياحية في الهضبة الساحرة المطلّة على بلاد الشام ، ويستغلُ موارد المياه والزراعة والنفط المكتشف هناك .
خمسون عاما ً والمستوطنون الإسرائيليون يمدّون أيديهم إلى ثروات الجولان السوري دون خجل، ويستبيحون كرمة الجولان وتفاحه ويبنون مصانع نبيذهم وفنادقهم بعد أن حوّلوا أرضنا المحتلة إلى منتجع سياحي يقضون فيه عطلاتهم وليالي الإثم الطويلة .
قبل سنوات أدركت «اسرائيل» أهمية هضبة الجولان استراتيجيا ً وعسكريا ً وأمنيا ً لذلك أصدر الكنيست الإسرائيلي عام 1981 قرارا ً بضم الجزء المحتل من الجولان السوري إلى «إسرائيل» لكن مجلس الأمن في ذلك الوقت اعتبر أن القرار لاغ وباطل، واليوم يصدر ترامب – الغارق حتى أذنيه بحبه لإسرائيل – وثيقة الاعتراف المزعومة بسيادة إسرائيل على هضبة الجولان وقد فاته أن الجولان ليس عقارا ً أمريكيا ً يهبه لمن يشاء ووقت يشاء، وأن التاريخ لايلغى بقرار، والجغرافيا لاتصنعها نزوة إدارة تمارس عنجهيتها وحمقها .
الجولان العربي السوري ليس هدية يهديها رئيس أخرق إلى نتنياهو النائم في عسل حلم لن يستمر طويلا ً ، تغير الزمان يانتنياهو فالسوريون أحفاد أحمد مريود ويوسف العظمة صقلتهم اليوم حرب الإرهاب واختاروا المقاومة نهجا ً والنصر حليفا ً، فكيف بعد اليوم يسكتون على ضيم ويقبلون بك محتلا ً لأرضهم مهددا ً لهم في عقر دارهم؟!تغير الزمان ، سقط الخونة يانتنياهو ومضوا لايملكون سوى بيانات يائسة يتلونها في المنفى بعد أن راهنوا طويلا ً على « إسرائيل» وظنوا زورا ً أنها تمثل « لحظة الرجاء» ، كانوا ينتقلون من بلاط إلى بلاط يتسولون الأعطيات، من قال لهم إن المتسولين يصنعون التاريخ ويقودون الثورات؟
سورية تمضي اليوم في دروب نصرها النهائي على الإرهاب وعينها على الجولان المحتل فالأم لاتنسى وليدها وإن طالت غيبته ،لذلك ينقلب طعم التفاح الجولاني مرورة في فمه وهو يرقب تقدم الجيش العربي السوري في كل بقعة سورية ، ويفرك عينيه جيدا ً وهو يرى العلم السوري يرفرف فوق كل أرض محررة ، وقد يسأل زوجته « سارة» في صباحات الهزيمة عن خرائطه التآمرية التي تمزقت عند البوابة السورية، فأي قرار يمنع قوافل النصر السورية من المضي في طريقها لتحرير الجولان ؟ وأية وعود تقف في وجه بلد أبيّ لايفاوض في العتمة ولا يبيع شرف القضية لمن يدفع أكثر.
حاولت « إسرائيل» الصيد في المياه العكرة للمرحلة العربية ودغدغتها الأحلام وهي ترى حفلات التخاذل العربي تقام في البيت الخليجي، يوم دارت كؤوس التطبيع وسكر الأعراب ورقصوا على وقع خياناتهم ، وهلّلوا لصفقة القرن وصمّوا آذانهم عن قرار ترامب بسيادة إسرائيل على الجولان السوري، لكن المقاومة العربية مستمرة في نهجها رغما ً عن أنف الأنظمة النائمة في كهوف التبعية، المقاومة التي أثلجت صدور شعبنا وألهبت أعداءنا قادرة اليوم على تمهيد الدروب إلى الجولان لتترك الإسرائيلي على «قلق كأن الريح تحته» .
سورية عصية على الانحناء ، هرمت الحكايا على أبوابها وشاب الزمان لأهوالها وبقيت شابة أبيّة تنتظر أيادي نظيفة لإعمارها وقلوبا ً بيضاء لبناء الإنسان الجديد فيها وعزيمة لاتلين لتحرير الجولان المحتل وكل شبر محتل فيها .
محمود الشاعر