سؤالٌ طويل – عريض، بالأسود والدّخاني والأحمر والرّمادي، مُفادُه: متى يصرخ الإنسان؟
الإنسان، والطير، والحيوان، والكائنات، لا يصرخ أيٌّ منها، إلّا بحالات الألم، والوجع، والإصابة، والجرح، والمرض، والموت، إلخ! الحقَّ: هل رأى أحدُكم آدميّاً يصرخ منْ فرحٍ طاغ، ومنْ سعادة جاءته على حين غِرّة؟ أسئلة ذواتُ أشواكٍ مُسَنَّنة: لكن، أمَا رأيتم مُواطناً مُراجِعاً، يصرخ منْ موظفٍ «بلهموطيّ» مستهتر، لم يشأ تسيير معاملته وتيسيرها، إلّا بعد أنْ يدفع له «ثمن فنجان قهوة برازيليّة، ومُهيّلة، أيضاً»؟ أمَا رأيتم امرأة تصرخ بأعلى قوةٍ أنثويّةٍ بحنجرتها، وهي تزاحم عُصبة من الرّجال، تحاول الحصول على ربطة خبز أو ربطتين، لتطعمَ أولادَها الصّغار، لأنّ زوجها يرابض هناك على الجبهة الشمالية لحماة، والجنوبية لسورية، أو بمواقع قتالية أخرى؟ أمَا سمعتم صرخة مريض يتضوّر ألماً ووجعاً، وليس في ِجيوبه جميعاً ثمن معاينة طبيب، أو حتى قيمة توصيلة بسيّارة أجرة، ناهيك عنْ ثمن الدّواء، الذي يهدّ «الحِيْل والخَيْل» معاً؟ أمَا سمع أحدكم – أيّها السّادة، أيّتها السيّدات – صرخة ذاك «الشّاب المنغولي»، وهو يقف على أحد مفارق الشوارع والطّرقات، مُتوهّماً، أنه يساعد شرطي السّير، على ضبط الحركة المرورية، عند هذه الإشارة أو تلك؟ ألا منْ «جمعية إنسانيّة» تأوي أمثال هذا الشّاب المسكين، المطعون بعقله وجوارحه، بدلاً من أنْ يبقى عرضة للسّخرية والتّعالِي، من هاتِهِ الفئة العمريّة، أو تلك؟ ثمّ ألم تسمع الجهات المعنيّة، بتلك الصّرْخة المدوّية، التي أطلقها أحد المواطنين المقهورين، حين تسلّل إلى بيته عددٌ من «قِطط الليل» وأراذله، وثعالبه، فسرَقوا له، بعد منتصف ليلةٍ مَاطِرَة، خمس أسطوانات غاز، له ولأهله ولإخوته، كانت مَرْكُونَة هناك بغرفة صغيرة على السّطح، ودرّاجة كهربائية، وعدداً غَفِيراً من «البلابل» غالية الثمن مع أقفاصِها المُزَرْكشة، وعدداً جمّاً من العصافير الغريبة، ذات الأثمان العالية، وأشياء أخرى، إذْ قُدّرت خسارته المادية، حسب إفادته، وبموجب الضّبط الشرطي، بمليوني ليرة وأكثر، بينما خسارته المعنويّة كانت بأعلى وجعٍ لها!
أيّها السّادة، حرّاسَ الأمن والأمان، حرّاسَ الأرْواح والممتلكات، بوطن الصّمود والمقاومة، يا أصحاب «العيون السّاهرة»، يا أهل المروءات والنّخوات والصّحوات، إنّ وطناً تصدّى لأكبر مؤامرة سوداء عَرَفها تاريخ البشرية، ووقف بوجه الإرهابيين بكلِّ صلابة وعزيمة، ولا يزال، وإنّ شعباً صمد، وتحمّل، وعانَى، وصبرَ، وإنّ أبطالاً استُشهِدوا، وبواسلَ أُصِيبوا، كي نحيا جميعاً، بعزّة وكرامة وإباء، وننام مطمئنين تحت بطّانيّات أحلامنا الرّغيدة، وسُباتنا الهانىء، لهوَ وطنٌ جديرٌ بأنْ نعيش في رِحابه، تحت هوائه وسمائه، بأمنٍ وأمانٍ، بعدما أقضَّ الإرْهابيون المتّشِحُون ببصماتِ الإجرام والسّواد والدّم، نومَ أطفالنا، وأحلامهم الرّغيدات، بكثرة قذائفهم، وعبواتهم النّاسفة، وسيّاراتهم المُفخّخة، وأسلحة أحقادهم علينا جميعاً…
أيّها السّادة، أهلَ الحلّ والرّبط، يا أصحابَ الهمم العالية، أرْبابَ المسؤوليات، نناشدكم باسم الانسانية أوّلاً، وتالياً باسمِ الوطن، باسمِ عيون الشّهداء والجرحى والمصابين، باسم عيون الأطفال، باسم الواجب الوطني، والحسّ الإنساني، باسم المطر المِدرار الذي عمّ بخيراته بلدنا الصّامد، أنْ تولُوا هذا الشّعب الشريف – الذي تمسّك بتربة الوطن، ورفض الانقياد لِرُعَاة الإجرام، فبقي مُتشبّثاً بأرضه، متمسّكاً بإرث الآباء والأجداد – جُلَّ عنايتكم واهتمامكم، بأنْ تكثّفوا تحرّكاتِكم الليلية، ودوْرياتِكم السيّارة والرّاجِلة، وأنتم ترصدون الفئات الضالّة، وأنتم تتابعون «خفافيش الليل والظلام»، أولئك الذين يسْطُون على بيوت المواطنين الآمِنين، لترويعِهم أوّلاً، وسرقة ممتلكاتهم تالياً، هذه مسؤولياتكم، التي نحترم ونجلّ ونقدّر، فكيف تتمكّن الجهات المُؤتمَنَة على أرْواحنا وممتلكاتنا وسيّاراتنا وأموالنا وأطفالنا ومحلاتنا ومخازننا ، منْ ضبط أمثال هؤلاء الرُّعاع الفاسدين، وتقديمهم للعدالة، وتغليظ العقوبات الرّادِعة بحقّهم، ليكونُوا عبرة لسواهم ولِنظرائهم، من أصحاب السّطوة والجبروت والإجرام، أرْباب العقول السّوداء؟ لنا كمواطنين وطيدُ الأمل بتشديد الرّقابة على هؤلاء، وضبطهم بالجُرم المشهود، وتقديمهم أمام العدالة.
وجيه حسن