الأفول الحزين .. روايات عبد الغني ملّوك نموذجاً

في معظم روايات الأديب ( عبد الغني ملوك ) يختار موضوعاً محبباً للقلوب وهو ( الحب ) هذه القيمة الإنسانية الكبيرة حيث يطلعنا على ما حلَّ به الآن من شروخ ومتغيرات بعد أن أطاحت برموزه السامية تحولات جذرية كاسحة جعلت من أبطاله أمثال ( قيس وليلى ) و ( عنترة وعبلة ) و ( روميو وجولييت ) تعيش في الجحيم وفلكلوراً يكاد أن يكون منسياً ولا يذكر إلا على سبيل التندر والفكاهة.
ومن البديهي القول: إن النائحة المستأجرة ليست كالنائحة الثكلى والدموع التي يذرفها المصاب بكارثة ليست كالدموع التي يذرفها مقشر البصل. كذلك الحب في القرن الواحد والعشرين ليس كالحب في القرون التي سبقته فهو مجموعة من المشاعر والأحاسيس لا يستطيع أي مبضع أن يلج إلى هذه القيمة الإنسانية لتشريحها وسبر كوامنها وكشف ألغازها. فما نحبه اليوم نكرهه غداً وما نكرهه اليوم نحبه غداً. والشخصيات في معظم روايات الأديب ( ملوك ) لا تخرج عن دائرة هذا المفهوم حيث نصادف في ثنايا أحداثها أشخاصاً نضب نبع الحب في قلوبهم فتلوثت نفوسهم بحب المال الحرام فأدى ذلك إلى نخر عظام المجتمع وتحلل العقد المانعة من الإنفلات الأخلاقي وأفول نجوم الخير والجمال محملة بتلويحة الأيدي المتعبة من مقاومة سحب الشر والغدر والكره والعدوان حيث أصبح الحب تائهاً في غابة الحياة التي بدأت تحترق حوله وهو محاصر الآن بين النيران.
وفي الضفة الأخرى نصادف أشخاصاً ايجابيين حافظوا على نقائهم الروحي ونفخوا في جمرات الفرح والأمل والتفاؤل التي شارفت على الإنطفاء ، فأعادوا لها التوهج والألق والبريق ، وأعطوا ليتيم الحب أماً جديدة أحن عليه من أمه الحقيقية ، ويتجلى هذا في معظم مشاريعه الإنسانية يعمل عليها ( ملوك) في معظم رواياته من أجل إبقاء مشاعل الحب متقدة تنير درب المحبين ، ويشير إلى أن هؤلاء الناس السلبيين قد خفت عقولهم فارتفعوا في تقدير الزمان الى قمم لا يستحقونها فوق سطح الماء ، فيما انحدرت عقولهم ( الناس الإيجابيين ) إلى أعماق اللجة كما تنحدر اللآلىء والجواهر الثمينة ، فتم لذلك رجمهم ولكن بأحجار كريمة .
فما هي يا ترى الفروقات بين الأجداد وحبنا الآن ؟ من وجهة نظر المؤلف ؟ فهو يرى أن الحب صدفة فيها لؤلؤة ثمينة ، ولكن الصدفة لا تكسر على وسادة طرية أو ناعمة بل تتحطم على صخرة التضحية والبذل والعطاء كما فعل الأجداد مع محبوباتهم ، فذرفوا الدموع السخية فتقرحت جفونهم وانهد حيلهم ، ومنهم من وصل الى مرحلة الجنون ، بعد أن حرمه الآخرون من نصفه الثاني ، وعانوا من السخرية الصفراء والاستهزاء الناقم .
أما الحب في وقتنا الحاضر ومن وجهة نظر (ملّوك ) أيضاً هو حب مفترس ووحش جميل وعسل مرّ وسباحة في التراب ، ووزارة سيادية للألم ، وتجسيد لجهد ضائع وإحباط مطلق لجذور تحاول عبثاً أن تضرب في الصخور ، وكل ذلك بسبب طغيان المادة وارتفاع مدّ الجشع والطمع، والرغبة في الوصول السريع الى المناصب العالية دون التجديف المخلص في بحر الحياة مع أن هذه الرغبة الجامحة أبعدته عن شطآن الحقيقة والثوابت الإنسانية ، ويعترف بوجود استثناءات ولكن لا يعتد بها بسبب ندرتها ، وفي استبيان أجرته إحدى الهيئات الاجتماعية طرحت سؤالاً على عدد كبير من الإناث العازبات وكان مضمون السؤال هو : هل تفضلين عريساً من ذوي الدخل المحدود وتحبينه أم عريساً من أصحاب الدخل غير المحدود ولا تعرفين عنه شيئاً ؟ فكانت النتيجة كالتالي 90% يفضلن عريساً من أصحاب الدخل غير المحدود ولكنهن اشترطن أن يكون وسيماً وكريماً ومتعلماً.
نزيه شاهين ضاحي

 

المزيد...
آخر الأخبار