عبد الكريم الناعم :الأدب الذي لا يهتم بواقع الأمة ناقص بالغاً ما بلغت جودته الفنية .. الذين لم يتزودوا من الثقافة إلا بالفتات يوارون عجزهم بالتجريب
يقال إن النصوص الخالدة هي النصوص الثرية بغير تأويل ,حمالة الأوجه ويتفق النقاد على أن تجربة الشاعر عبد الكريم الناعم الشعرية حققت النجاح بالمفهوم النقدي والفني معاُ ,فهو حداثوي يحافظ على الوزن . من مواليد 1935من قرية (حربنفسه) التابعة لمحافظة حماة انتقل إلى حمص منذ عام 1949,له أكثر من خمسين مؤلفا في الشعر والنقد ولا يزال مواظباً على الكتابة في غير جريدة ومجلة عمل في التدريس والإعلام لسنوات مديدة ,زرناه في منزله في حمص وعدنا لكم بالحوار التالي:
قبل أن أطرح أي سؤال على الشاعر المجلي والناقد الحاذق عبد الكريم الناعم هم في لفِّ سيجارة من النوع المسمى «لف » وقال : بعد أن ارتفع ثمن الدخان الأجنبي عدتُ لدخان «اللف» , فسألته عن المداخلة التي ألقاها الأديب راتب الحلاق في احتفالية اليوبيل الذهبي لتأسيس اتحاد الكتاب العرب حيث ركز فيها على جهود الاتحاد المبذولة في سبيل تحويل الكتابة إلى مهنة للكاتب ,فإلى أي درجة استطاع الاتحاد ذلك ؟طالما أن أديباً من وزن عبد الكريم الناعم لا يستطيع دفع ثمن ما يدخنه من سجائر, وهو صاحب أكثر من خمسين مؤلفاً في الشعر والدراسات والنقد وعمره الأدبي يتجاوز الستين عاما فأجاب :» لا يوجد أديب في الوطن العربي يعيش من أدبه وكتاباته ,إلا الذين ذهبوا للكتابة التلفزيونية أو الذين اشتهروا لدرجة أن كتبهم تباع ,علماً أن هناك في الوطن العربي بكامله أزمة قراءة وأزمة كتاب ,وذلك يعود للانهيارات العامة السياسية والاقتصادية وطغيان وسائل التواصل الاجتماعي و اللهجات المحلية واللغة الأجنبية فأسماء المحال كلها مكتوبة بلغة أجنبية وهذا كله يؤثر في تراجع القراءة واللغة العربية والأدب العربي بعامة ,هي ظاهرة عالمية وليست مقتصرة على بلدان العالم العربي,إنها العوملة المتوحشة تحاول تتفيه العالم وجعله مجرد أرقام للاستهلاك ومصادرة الهويات القومية لكل الأمم لتصوغ منها نموذجاً على الطريقة الأمريكية .وهذا يفتح باباً للتساؤل ,هل يستطيع الأدباء بأدبهم وحده أن يحدثوا تغييراً في المجتمع إذا لم تكن الجهات المعنية معنيةً بترويج هذا الأدب وإيصاله.
يحسدك الكثيرون على هذه العزلة الاختيارية… أنت لا تغادر منزلك ومكتبتك ومواظب على الكتابة في غير جريدة ومجلة مطبوعة , وتنشر بنشاط على مواقع التواصل وهو شكل ما بعد بعد حداثوي للتواصل …ماهو سر جذوة العطاء هذه …وما هي أقانيم الشاعر عبد الكريم الناعم ؟
أسباب العزلة :تغير العلاقات الاجتماعية جذريا عن الأزمنة التي عشتها ,لدرجة الإحساس بالغربة ,انقلبت صورة المجتمع وهذا يلاحظه من كان من أبناء جيلي ,ثانياً معظم أصدقائي الذين كنت آنس بهم قد غادروا هذه الدنيا ,وثالثاً الموجعات الاجتماعية التي أراها أثناء خروجي القليل ,الأرصفة ليست لنا ,الضجيج في كل مكان ,الفلتان الذي تعرفونه جميعا ,وأنا بطبيعتي أحمل حساسية عالية ,فلذلك آثرت الابتعاد حماية لنفسي من مزيد من المؤلمات , وهذا ليس هروباً فأنا مازلت على درجة عالية من الإيمان بأنه لا بد من تجاوز الواقع ,ولن أطيل الشواهد أكتفي بشاهدين ,ما أنجزته قواتنا المسلحة على المستوى الداخلي والخارجي وما تفعله المقاومة في لبنان وخط المقاومة بعامة. أنا حزين ومتألم ولكنني لست يائساً ,ولن أيأس ,أما أقانيم الشعر عندي فقد أحضرت في حوارنا هذا كتابي النقدي وعنوانه :«في أقانيم الشعر» كتاب طبعته في حمص عام 1991م وفيه بحثت في الحداثة ومعناها والشعر وروحيتّه ,وقيمة الإيقاع الشعري النفسية والجمالية والتعبيرية وبيَّنت أن لا إيقاع خارج بنية السبب ,والوتد ,والفاصلة وكلها بحوث قدمت فيها شواهد نموذجية.
هذا يقودنا إلى الرأي النقدي الذي يقول: إن قصيدة النثر تعتمد على الإيقاع الداخلي فما رأيك في هذا إذن؟
لقد بينت في هذا الكتاب أنه ما من شيء يؤكد زعم الإيقاع الداخلي وأخذت قصائد نثرية توحي لقارئها بأن فيها شيئاً من الإيقاع ووزنتها فتبين لي أن هذا الإيقاع يتحقق بالتزام الشاعر دون دراية منه بعدم الخروج عن السبب والفاصلة والوتد ووجدت ذلك ينطبق على قصار السور في القرآن الكريم,والبحث طويل قد لا تتسع له مساحة الكلام .
ولكن الماغوط شاعر وهو لم يكتب بيتاً موزوناً واحداً أنت ماذا تسميه ؟
أسمي الماغوط مبدعاً وأستند في ذلك إلى مادة نشرها في مجلة الآداب اللبنانية أيام زهوّها وقال عن نفسه :ما أنا إلا كاتب خواطر جعلوا منه شاعراً .وأنا هنا لا أقلل من قيمة محمد الماغوط بل أغبطه على جرأته وأثمن إبداعاته الكتابية المفاجئة والحارّة والعميقة والطازجة.
لن أحرجك بتسمية أشعر شاعر حمصي تحب شعريته , سأسألك عن أصدقائك من الشعراء وعن «الأعداء» منهم فلا يمكن أن يكون لك أعداء.
يحضرني بيت من الشعر :ليس يخلو المرء من ضدّ ولو حاول العزلة في رأس الجبل . وبالنسبة لأشعر شاعر فأنا لا أؤيد هذا التصنيف ,فما من شاعر_ قديماً وحديثاً _تساوت جميع نصوصه في الإبداع الشعري ,أقول هناك شعراء حقيقيون في هذه المدينة وأجيالها الشعرية لم تنقطع بل ظلّت متواصلة ,ويكفي أي شاعر أن يكون الغالب على كتاباته الشعرية أنها شعر لا يُختلف في القول :إنه شعر .
من أبرز العلامات الثقافية الحمصية خلال الحرب ظهور العديد من النوادي والملتقيات الثقافية معظمها بالتعاون مع مديرية التربية حيث تُعقد الملتقيات في المدارس .كيف تقرأ هذه الظاهرة ؟ما علاقة الشعر والأدب بالحرب والموت ؟
سؤال مهم يضعنا أمام مسألة علاقة الأدب بالمجتمع .والأدب الذي لا يهتم بواقع الأمة يكون أدباً ناقصاً ,بالغاً ما بلغت جودته الفنية ,فكيف بهذه الحرب الضروس التي لم نواجه مثلها من قبل ,وأنا أعتبر أن أي نشاط من أجل استنهاض الهمم ,والدفاع عن حقنا في الوجود هو عمل مقدر ,بغض النظر عن مستوى القيمة الإبداعية فإذا التقت القيمة الإبداعية الجيدة مع ما ذكرناه فذلك من الذرى الطيبة.
التجريب في الشعر العربي الحديث عنوان لمؤتمر عقد مؤخراً في كلية الآداب في جامعة البعث قيل فيه :إن التجريب يُفقد الشعر هويته إذا لم يؤسس لتجربة ,واستشهد كاتب هذا الكلام بفشل كل من تجربتي لويس عوض وكمال أبو ديب اللتين اعتمدتا على التجريب ما تعليقك ؟
كلمة التجريب إذا أردنا أن نعطيها حقها فلا بدّ من الانتباه إلى أن التجريب الحقيقي لا يكون إلا على يدي كاتب متميز ,يعي ما يفعل ويستوعب ما قرأ ,وهذا ما ينطبق على كمال أبو ديب بغض النظر عن الاتفاق معه أو الاختلاف ,أما الذين لا يجيدون صياغة الجمل العربية صياغة سليمة ولم يتزودوا من الثقافة إلا بالفتات فإنهم يوارون عجزهم وراء ادعاء التجريب .
يقول الدكتور نضال الصالح إنه تعرف عليك «في منزل صديق سابق اختطفه ما يسمى أكذوبة «الربيع العربي» كما اختطفت غير أكاديمي ومثقف نحو غابتها المتخمة بالثعالب». برأيك لماذا اختطفتهم الأكذوبة أليس الشعر رؤيا ؟!…لماذا انعدمت عند هؤلاء الشعراء الرؤية على الأقل ؟.
سؤال مهم وأنا أتساءل عن حدود الرؤيا ,في هذا المجال لا تخلو الإبداعات المتميزة من رؤيا ما وليست المشكلة في مستوى التحصيل الثقافي أو الأكاديمي فليس كل مبدع بالمطلق هو صاحب موقف منسجم مع حاجات الأمة وأنا أرى العلة هنا فيما أسميه الوجدان فما من وجدان يقر القتل والتدمير وتفتيت البلد وذهاب البعض إلى مواقع العدو الصهيوني ,ماذا تفيد الرؤيا عند الذين شكلوا علامات ثقافية في هذا القطر ثم قفزوا إلى القارب الصهيوأمريكي ,كل إبداع بالغاً ما بلغ من قيمة فنية لا يتحدث عن مصلحة الأمة هو رؤيا مشكوك فيها وزائفة .
إذاً أنت مع نظرية «المؤامرة» وأنت تعلم أنها باتت محط سخرية من قبل هؤلاء؟!
لقد سعت الأوساط المرتبطة بالأجهزة الغربية تحديداً إلى تعميم أن مقولة «المؤامرة» سخيفة وتافهة وأنها حائط يتلطى خلفه البعض .أنا أتساءل هنا ماذا نسمي ما جرى في سورية ,إذا كانت بداية الحرب قد شوشت على البعض فماذا بعد ثماني سنوات هل يشك عاقل في أنها مؤامرة ,ومؤامرة كونية …ماذا نسمي تصريحاتهم بضخ المليارات لتدمير الدولة السورية …نعم هناك مؤامرة منذ سايكس بيكو حتى الآن وما تلاها من تفرعات ما تزال تتلاحق ماثلة أمامنا.
نصك «في الباب الذي لا يُغلق» من مجموعتك الصادرة حديثاً تقول :لقد أسكرتنا الكوارث دون شراب ,وضلَّت بما أترعتنا الكؤوس /ففي كل بيت شهيد عريس/وفي كل حفنة قمح /على النهب سوس .هل زادت نسبة الزؤان في القمح السوري خلال سنوات الحرب..؟
نعم زادت نسبة الزؤان ودليل ذلك ما نشاهده من مظاهر للفساد يشكو منها الجميع وأقول هذا دون أن أُغلق الآفاق فأنا أؤمن بأن المجتمع الذي تصدى للمؤامرة التي أشرنا إليها وكسر حدّتها ..هذا المجتمع لا بدّ له من لحظة ينظف فيها القمح من الزؤان.
من خلال تجربتك الأدبية مع 19 مجموعة شعرية وكتابين في النقد التطبيقي والنظري كيف تقرأ معالم خط التماس بين الشعر والنثر ؟خاصة أن هناك من يقل أن قصيدة النثر لم تعد ظاهرة ؟بل هي في طريق التأسيس والتأصيل كفن شعري قائم بذاته؟
المعالم الفاصلة في ذلك كما أرى هي تحقق الشعرية مع الحفاظ على الإيقاع الشعري الذي سماه الدكتور إبراهيم أنيس (الوزن القومي) فإذا تحققت الشعرية في نص نثري نقول إنه إبداع بصيغة ما ، أما عن قصيدة النثر فما الذي يضير آداب أمة أن يكون فيها إبداعات نثرية وقد عرفنا ذلك في نصوص العديد من الصوفيين ومن الأدباء الآخرين ، ليكن لقصيدة النثر حضورها حين تحقق شروط الإبداع شريطة ألا يزعم كتابها أنها شعر بالضرورة أو أنها هي الشعر وما عداها لا .
مواقع التواصل ذات وجهين فهي تعطي المجال لكل راغب بأن يكون شاعراً ثم تخلط التركيبة .. فتكثر الأمراض .ماذا تقول؟
صفحات التواصل أوهمت الكثيرين بأنهم أصبحوا أدباء والأدهى أن بعضهم يحصد عدداً كبيراً من إشارات الإعجاب وزاد الطينة بلة أن المراكز الثقافية والمنتديات الأدبية أصبحت تسهل وصول هؤلاء إلى المنابر التي ما كان يصعدها إلا المبدعون ولذا نُطالع كل يوم عشرات الشعراء والشاعرات والذين يجهلون أبسط قواعد النحو والصياغة العربية السليمة . هذه ظاهرة مرافقة لمجمل ما نواجهه من تفسخات مخيفة .
أطلق الدكتور قصي أتاسي رصاصة الرحمة على قصيدة النثر وشرّح نص «سرّة ودوائر أخرى » لشاعر له باع طويل مع قصيدة النثر ويملك دار نشر وله سبع مجموعات شعرية نثرية ؟ لكل رأيه ولكن هناك من يقول: إن قصيدة النثر والـ ق ق ج توءمان يعلنان الإيجاز في الأدب لمواكبة عصر السرعة ما تعليقك ؟
الإيجاز : قال النقاد العرب القدامى ( البلاغة في الإيجاز ) ولم يعنوا بذلك المسخ أو التدني بل عدم الوقوع في الإسهاب الممل ، الإيجاز والتكثيف مطلوبان ومرغوبان في الشعر ولقد تداخلت الأمور لدرجة أن القصة أخذت من لغة الشعر كما أخذ الشعر الحديث من القصة والـ ق ق ج في سورية كان أحد روادها ومؤسسها الشاعر الفلسطيني المقيم في حلب محمود علي السعيد ، وقد انتشرت بعد ذلك وربما تقاطعت مع قصيدة الهايكو اليابانية وأنا أرى أن الإبداع إبداع إذا تحققت شروطه كما ذكرنا سواء اتخذ هذا الشكل أم ذاك .
لا أعتقد أن النقد قصَّر في التعاطي مع نتاجك الشعري هل ما يكتبه النقاد والأدباء من آراء حول نتاجات الشعراء في مواقع التواصل الاجتماعي يلغي دور الناقد ؟
في النقد وصلني بعض حقي ولا أقول كله ولست مدعياً في ذلك وأشكر كل من كتب كتابة جدية نقدية عن شيء من شعري .
ولا أنسى أن أذكر أن هناك بعض من تغافل بقصد عن كتاباتي لأسباب شخصية بحتة .
ما يكتب من تقريظات على مواقع التواصل الاجتماعي هو رأي سريع وقد يكون فيه بعض شيء من العمق ولكنه لا يلغي دور الناقد الذي يحترم النقد .
روايات كثيرة كتبت بلغة شعرية باذخة تفوقت على الشعر ذاته هناك تداخل عام بين الفنون الكتابية يدافع عنه منتجوه بأنه وليد عصره ؟! ما رأيك؟
– ما الذي يمنع أن تتداخل الأجناس الأدبية وخاصة إذا كان ذلك بقصد إغناء الجنس الأدبي إذ ليس من المقبول على سبيل المثال أن تكون قصة قصيرة كلها جمل شعرية مع فقدان الحدث الجاذب إذ لا بد من المحافظة على هوية الجنس الذي تتم به الكتابة .
صدر لك 27 مجموعة شعرية منذ «زهرة النار» عام 1965 الصادرة عن وزارة الثقافة حتى «أرحل هكذا» الصادرة عن اتحاد الكتاب العرب عام 2017 نستثني من هذه المجموعات ثلاث فقط صدرت عن دور نشر خاصة والباقي صدر عن اتحاد الكتاب العرب أو وزارة الثقافة وكذلك الكتب النقدية الثلاثة التي صدرت عن هاتين المؤسستين الرسميتين المعنيتين الوحيدتين بالنشر والطباعة , وهذا يدل على أنك لم تعان صعوبات النشر وغلاء الطباعة ويعني أنك شاعر مدلل عند هاتين المؤسستين ما تعليقك ؟
أن يُقال عني أني مدلل لدى هذه الجهات, لا أعتقد أنهم وضعوا أيديهم على الحقيقة ,صدّقيني وأنا صادق في ذلك أن كل ما نشر لي في اتحاد الكتاب أو في وزارة الثقافة كنت أرسل المادة ولا أسأل عنها إلا لمعرفة النتيجة وأستشهد الآن بكتاب لي سيصدر عن الهيئة السورية العامة للكتاب في وزارة الثقافة عنوانه شرفات للشعر والثقافة وانتظرت ولا أكتمك أنني أعاني من شيء من الخجل في السؤال عنه …,وحين سألت عن هذا الكتاب آخر مرة أبلغوني أنه في المطبعة .
ما هي نصائحك للمتعجلين إلى الشهرة من الشعراء والصحفيين فأنت عملت في الصحافة والإذاعة لمدة 15 سنة ؟
لست في موقع من يزعم أنه يستطيع أن يقدم النصيحة المطلوبة ولكني أقول لمن يسير في هذا الطريق أن يتزود بالثقافة وبالأدوات المؤهلة له .
مدارات هو الكتاب الوحيد في السيرة الذاتية منذ الطفولة حتى صباح 8 آذار 1963ومنشور عام 2006 كم يلزمنا من الوقت حتى نقرأ سيرة ذاتية لعبد الكريم الناعم منذ عام 2011 حتى اللحظة ؟
في مجال السيرة الذاتية لدي تتمة لمدارات (1 )وهي مدارات (2)وقد سميته سيرة أحداث ،ومدارات (3)وسميته سيرة رجال ،والكتابان مخطوطان لدي وأرجو أن يُطبعا في زمن لا أستطيع تقديره أما عن سيرة الأحداث المعنية والتي مرت بهذا البلد فلدي مجموعة شعرية بعنوان (لأقمار الوقت )وهي قصائد تكاد تؤرخ لتلك المجريات الدموية .
الدراما عالجت تبعات الحرب الاجتماعية والاقتصادية لكن الشعر لم يقارب هذا الموضوع بعد لم نجد كتاباً شعرياً واحداً متخصصاً بمفرزات الحرب هناك نصوص قاربت الحرب مواربة وبوهيمية أحيانا أُخرى .لماذا؟
أنا أزعم أنني قمت بشيء من هذا في مجموعتي (لأقمار الوقت )
حاول السوريون إنتاج برنامج شعري على غرار برنامج أمير الشعراء وتوقف لأسباب إدارية إذا أصبحت وزيراً للثقافة هل تعيد إنتاج هذا البرنامج وبثه خاصة وأنه كان الوقدة الأخيرة للشعراء السوريين؟
لا أعرف ما أفعل لأنني لم أكن ممن تنطبق عليه هذه الفرضية ولكني أشكو بعامة في وسائل إعلامنا من قلة الزمن المعطى للثقافة وهي أساس جوهري في أية عملية توعية ،نحتاج لعقلية مؤسساتية في ميدان الثقافة يكمل فيها التالي الأسس التي أرساها من سبقه لاسيما إذا كانت لا تتضارب مع المعطيات الواقعية .
كل شاعرٍ ناقدٌ وليس العكس صحيحاً , بالضرورة أنت تجمع الملَكتين …هل لديك منهج نقدي معين أم تعتمد على التذوق والقراءة الصحفية للنصوص التي تكتب عنها ؟
صحيح ما قلته ,أن في داخل كل شاعر ناقد وهو الذي يقوم بمراقبة فنية للنص أثناء الكتابة ,وبعدها ,يقال وأنا مع هذا القول أن أفضل نقد للشعر هو ما كتبه الشعراء الذين اشتغلوا على النقد وأنا كما ذكرت أعتمد على التذوق الجمالي في قراءتي لأي نص .
عدَّك النقاد من شعراء الحداثة الذين برزوا في الستينات ؟ما تعليقك وبماذا تصف نفسك وأنت تواكب الأجيال الشعرية كافة على مواقع التواصل ؟
نعم أنا في التصنيف من جيل الستّينات، أمّا وصف نفسي فأدعه للنقّاد، أو للآخرين، وإذا كان لابدّ من كلمة في هذا المجال، فهي، وأنا في هذا العمر، ما زلت أرى نفسي تلميذا على مقاعد دروس الحياة.
هناك ظاهرة جديدة وهي شعر جديد خليلي ,حداثوي ,كيف تقرأ هذه التجارب ولك فيها باع طويل ؟
هذا الشعر الخليلي، الجميل، ليس له وقت محدّد لتفتّح أزاهيره، بل هو ابن التراكمات الثقافيّة، فقد تعرّفتُ إلى شيء من هذا في العراق عام 2001، وكانت ظاهرة شعريّة، قدّموا لها بما يمكن تسميته «بيان شعري»، بيّنوا فيه وجهة نظرهم، ورؤيتهم، وهو بيان مُحكم وجدير بالاهتمام، وأنا أرى أنّ عدداً لافتاً من الشعراء المُجيدين لم ينقطعوا عن كتابة هذا النّمط، وسوف تستمرّ هذه الكتابات، بل وأرى أنّ الذين لم يجيدوا كتابة العمود سيظلّون يعانون من ضعف ما، في بنيّة النصّ الإيقاعية، وهنا لابدّ من التنبيه المتكرّر إلى أنّ النّمط، أو الشكل لأيّ إبداع لا يكون سببا في الإبداع، بل هو متعلّق بالإبداع ذاته، ولكلّ نمط من الأنماط الشعريّة الملتزمة بالإيقاع الشعري تجلّياته الخاصّة، وإن كان نظام « التّفعيلة» أكثر غنى في هرمونيّة إيقاع القصيدة الموسيقي.
لو طلب منك أن تصنف شعراء سورية في طبقات فمن تضع منهم في طبقة الفحول؟
لا أحبّ أن أدخل في باب التصنيفات حذرَ الوقوع في أيّ مطبّ أنا بغنى عنه، ولكن أشير إلى أنّ الشعراء الذين يمكن القول إنّهم شعراء بجدارة، لم يصلوا إلى مواقعهم إلاّ بجدارة الإبداع، ولقد حاولت بعض المؤسّسات، في زمن ما، تعويم أسماء لم تكن تحمل تلك الأهليّة ففشلت.
هناك من يقرأ هذه الفوضى العارمة في عديد الشعراء أو من يطلقون على أنفسهم لقب شاعر «بالفوضى الخلاقة» التي ستنتج في النهاية حتما نصوصاً خالدة هل حقاً تراجع الشعر وتسلمت الرواية ديوان العرب ؟أم أنك من أنصار : «دعوا الزهور تتفتح جميعها ؟»
الفوضى التي ذكرتها، وسمّيتها» الفوضى الخلاّقة»، تستحضر إلى الذهن « الفوضى الخلاقة: في السياسة الأمريكيّة، وأزعم أنّ ذلك قد تسرّب، بشكل ما، إلى تلك الفوضى التي تقذف في وجوهنا كلّ يوم عشرات الشعراء والشاعرات!!، بغض النظر عن اختطاف التسمية، وهي، في الثقافة لا تقلّ خطرا عنها في السياسة، الشعر الحقيقيّ لم يتراجع، وإنّما حصل التراجع في المستوى الثقافي بعامّة على امتداد هذا الوطن الكبير، وما من جنس أدبيّ قادر على إلغاء جنس آخر، أو تغييبه ، هل يمكن للأذن أن تحلّ محلّ العين،؟!! ثمّة اكتمال في الخلق، وأنا مع ما ذكرت « دعوا الزهور تتفتّح جميعها»
الاضطرابات السياسية تنتج نصاً باذخ الفن صادق الأحاسيس غالباً .هل تسمي لنا نصاً شعرياً يُشار له بالبنان يلخص حربنا الأخيرة ؟
الإبداع بعامّة ليس مرتبطا بالاضطرابات السياسيّة، بل قد يكون العكس، فحين دخل العرب فيما يسمّى « الدول المُتتابعة» تراجع الشعر تراجعا كبيرا، فيما تقدّمت التأليفات الموسوعيّة، نعم، الحرب تشكّل حافزا، والحافز ليس شرطا في جودة الإبداع، أنا لم أطّلع على جميع النصوص التي كُتبت زمن الحريق ، ولكنني أرجّح وجود نصوص ترقى لمستوى إبداعيّ لافت.
هناك من يقول بوجود الغموض والبوهيمية في الشعر الحديث .ما تعليقك؟
– الغموض والشعر والبوهيميّة، الغموض الفنيّ، الذي لا يصل درجة الإبهام مطلوب في النص الشعري، أمّا البوهيميّة، فليست عنصرا ضروريّا في الأدب، بل هي نزعة سلوكيّة، وجودة حضورها في نصّ إبداعيّ ما، تعود إلى البناء الشعري في النصّ، وهي ليست قيمة إبداعيّة في حدّ ذاتها.
هناك تأثر واضح بالبيئة البدوية .. ما سرُّه؟
أنا ابن البيئة التي عشتها، وهي بيئات متعدّدة، ومنها البيئة البدويّة التي عايشتها زمنا، ولقد شدّتني عوالم الشعر الشعبي، فكتبت باللهجة البدويّة المحكيّة مجموعة « الحزن والنّاي»، واستفدت في بناء القصائد فيها من بناء النص في القصيدة العربيّة الحديثة، ومن صورها، ومن دراميّتها، وثمّة في الأقطار العربيّة الأخرى شعراء نحوا هذا النّحو ، كلّ بحسب لهجة قطره، وأنا عاشق للفنّ الشعبيّ بعامّة،وأرى فيه من الجماليات ما يضعه في المصاف الذي يستحقّه، هل نستدعي مظفّر النواب، وطلال حيدر، وعبد الرحمن الأبنودي، وأحمد فؤاد نجم ؟!!
لغتك الشعرية واضحة حيناً كلغة الناطق الرسمي وحينا تشبه تميمة …هل هذا صحيح ؟
ما أظنّ أنّني أكتب الشعر على طريقة النّاطق الرسمي، وإذا اقتضت بعض النصوص شيئا من المباشرة فإنّها تكون محمولة على حواملها الفنيّة المشاعة في النصّ، وفي النصوص التي توصف بأنّها ( مُلتزمة) يصعب التخلّص من بعض المباشرة، والمهم في ذلك أن تكون مباشرة محمولة على فنيّة البنية العامة للنص،
أمّا أنّها تشبه التميمة، فلا أُنكر ذلك، من خلال فهمي للتميمة فهما فنّيا، إيجابيّا.
حاورته : ميمونة العلي
تصوير: ابراهيم الحوراني