أحبوا سورية لأن الحب يليق بها وهي تليق بالحب ، أحبوها بكل إيمان بكل احترام، أحبوها لأن حضارة البشرية انطلقت منها، وهل كان للحضارة أن تكون لولا الأبجدية التي تجسد أعظم تجريد في تاريخ العقل البشري ، وهل كان للحضارة أن تكون لولا المحراث والسنبلة ورغيف الخبز ، ولولا عنقود العنب الذي انطلقت الاحتفالات به من سورية إلى أرجاء الأرض فكانت احتفالات : باخوس وديونيسوس … أحبوا سورية ، قيثارة إينانا ومملكة ماري وأفاميا وزنوبيا تدمر ، وجوليا دومنا وكل رقيّم يروي حكاية الإنسان في كل زمان ومكان .
أحبوا سورية يوسف العظمة وجول جمال وحسن الكردي ومرهف الصالح وآخر شهيد فتّح دمه شقائق نعمان ليذكرنا بجدنا أدونيس .
أحبوا .. أحبوا .. وإن كنت في أعماقي أكره فعل الأمر .. فإنني أكرر هذا الفعل أحبوا لأن سورية جديرة بالحب والحب جدير بها .
لأنها – ومنذ ثماني سنوات – تدافع عن الإنسانية كلها في مواجهة التكفير والتدمير ، و الفكر الحاقد القاتل الذي ينخر كالسوس في عقول من أغلقوا عقولهم على الظلام ، وتطهر بدموع الأمهات والأطفال الورود التي علق بها الرجس والدنس ، ولكن كيف نحب سورية ؟! هل نرفع شعارات الحب ونغني أغانيه ونكتفي ؟! لا وألف لا . أن نحب سورية يعني أن نقدس كل ذرة من ترابها وندافع عنها ، وأن نجعل هذه الذرة أغنية عشقنا الأبدي . أن نحترم إنسانية الإنسان فيها فهذا الإنسان عمره الحضاري أكثر من عشرة آلاف عام ، ولذلك نجده متفوقاً حيثما عمل وأينما حل . أن نرضى للآخر ما نرضاه لأنفسنا ، فالآخر هو الكائن المكمل لكياني شئت هذا أم أبيت .
أحبوا سورية بالابتعاد والامتناع عن حرق أشجارها وسرقة آثارها واحجارها ، صدقوني لقد بكيت ألماً عندما عرفت أن طاحونة – أم رغيف على العاصي – التي كانت تعمل قبل العدوان الكوني الصهيوني الوهابي على سورية قد سرقت ناعورتها الصغيرة التي كانت تدير حجر الطاحون وأن حجر الطاحون قد سرق أيضاً ، ولا ندري إذا كانا قد أصبحا في الكيان الصهيوني ليدعي ذلك الكيان – كالعادة – أن هذا تراثه في المنطقة.
أحبوا سورية بالدفاع عن ليرتها وحمايتها في مواجهة الحصار الاقتصادي الغربي والحرب الاقتصادية الامريكية ، وكيف يحبها أو يدعي ذلك من يهرّب رزقها ومالها الى خارجها ويتبجح بذلك الشعار المتخلف القبيح – يارب نفسي – وماذا تعني نفسك أمام وطنك سورية ؟!
إنني أعجب لمن يدعي حب سورية الى درجة العشق ، ويزفر آهات الشوق والحنين ، وهو ينفق في مناسبة بيتية ضيقة ملايين الليرات ، منها عشرة ملايين لمطرب جعاري من الدرجة العاشرة ، بينما يشتاق عامود الكهرباء قرب بيته إلى مصباح ، ويشتكي شارع بيته من حفر مزمنة ، ولكن ماهمه ؟ إن سيارة ولده – الزغيور – المدلل الفارهة ذات العجلات الكبيرة تستطيع أن تتجاوزها بسهولة . ولكن على الرغم من كل ذلك : أحبوا سورية!!
د. غسان لافي طعمة