أربعة منتديات أدبية ظهرت في حمص ،خلال السنوات الثماني الماضية ،تضم شباناً وشابات ،يجمعهم حب الأدب ووهج الحروف يقرضون ..ويقرضن الشعر …!!
أمر جميل يشرح الصدر ،ويبهج القلب .وأجدادنا العرب اعتادوا أن يقيموا الأفراح والليالي الملاح ،عندما يظهر شاعر في القبيلة لأنّ الشاعر لسان حال الأمّة ،ومؤرخها من خلال شعره .
ولعلنا نتساءل عن سبب هذه الظاهرة :انتشار المنتديات الثقافية وكثرة الشعراء والشاعرات .فهل أحداث المؤامرة الكونية على وطننا فجرّ المواهب وأجج المشاعر وألهب الخيال ..فكان الشعر أقرب فنون القول للمتلقي وتمجيد الشعب الصامد والجيش البطل في سورية الأبية!!.أغلب الظنّ أن هذا هو السبب الرئيسي ،لاسيّما وأنّ موضوعات القصائد ،في أغلبها ،وطنية وقومية تندد بالإرهاب وتمجد بطولاتنا وصمودنا الأسطوري بوجه المؤامرة الكونية الكبرى التي نتعرض لها .وهكذا فالشعر هو سيد المنابر ،وقلّما تتسيّد القصة تلك المنابر .فمساحة حضور الشعر تشغل أكثر من تسعين بالمائة في هذه المنتديات «الثقافية «.ولكن أيّ شعر ..وأية قصائد ؟!! وحتى لا نغبن أحداً حقه نقول إنّ قصائد كثيرة تلفت الانتباه من خلال مواهب شعرية واعدة .وأيضاً هناك قصائد كثيرة أقرب إلى الخواطر .
إنّ استسهال الشعراء الشباب قصيدة النثر –كما يسمونها –تجعلهم يصفون الكلمات دون وزن ودون قافية ..وتنعدم الصور الفنية التي يفترض ان تعوض عن الوزن والقافية .وثمة صور مكررة وباهتة .فقصيدة النثر التي كتبها محمد الماغوط ونازك الملائكة وسليمان عواد وبدر شاكر السياب وسعيد عقل وغيرهم وغيرهم كانت تبهر بمفرداتها المختارة وصورها المتألقة وأفكارها المذهلة …!!
قصيدة النثر ..ليست كلمات فحسب ،بل إثارة وإدهاش وعبارات رشيقة ..هي فن قائم بذاته .ورحم الله الشاعر أحمد الجندي الذي كان يردد مقطعاً من قصيدة نثرية لشاعر ما ،ليدلل أنّ هذا ليس شعراً بل هو كلام ..قد يكون خاطرة ..لا أكثر والمقطع هو :
حبيبتي تحب البرتقال
وأنا أحب البرتقال
أنا وحبيبتي برتقالتان
على فنن …!! هل هذا شعر ؟!! . كان الجندي يصرخ متسائلاً …!!
من جهتي ، أنا مع وجهة النظر القائلة إن النتاج الجيد يطرد النتاج السيىء .. فمع مرور الأيام يبقى في الساح الثقافي من يمتلك الموهبة والإبداع ويخرج منه من لا يمتلك مقومات النجاح من لغة وفكر وخيال وصور فنية …!!.
واللافت هذه الأيام ، كثرة الشاعرات إذ يتفوقن بالعدد – في هذه المنتديات – على الشعراء . وبعضهن يمتلكن الموهبة واللغة وأخريات لسن كذلك . على أننا لا نبخس واحدة منهن حقها ، ولكننا أيضاً لا نجامل أحداً .
ثمة شاعرات برزن وسجلن أسماءهن في سجل الشعر وحمص كما يقولون « مدينة الشعر » وهذا صحيح إلى حد كبير .
.. وقد ظهرت أسماء ارتقت إلى حد ما بالقصيدة مثل : عفاف الخليل وميسون الجنيات وسلام التركماني وريما خضر وخديجة الحسن وزينب ديوب وهيام الأحمد وهيام عبدو وهناء يزبك .. وميمونة العلي وغنوة عميش وغيرهن .
ولعل بعض النقاد والمثقفين يعلقون في نهاية كل لقاء شعري على ما يسمعون ، وهذا النقد يصوّب العمل الشعري وهذا ضروري .
وتبقى ظاهرة المنتديات الثقافية ظاهرة حضارية وتعبيراً حيّاً عن آراء وأفكار ومشاعر المجتمع . وقد قرأت أن الأحداث المفصلية تتبعها حركة ثقافية نشيطة .. وهذا ما يحصل في وطننا الغالي .
عيسى إسماعيل