منذ سبعينات القرن الماضي وأنا أشارك في معظم مهرجانات حمص الشعريّة التي دعت لها أكثر من جهة، وأبرز الجهات الداعية كانت فرع اتحاد الكتاب العرب، ورابطة الخريجين الجامعيين ، والمركز الثقافي، وجهات أخرى كانت نشاطاتها غير منتَظَمة، وفي معظم الحالات أيضا كان في اللّجان التي تخطّط لنشاط ما، شاعر، وربّما أكثر، ويجري التداول في الأسماء، والاتّفاق عليها بعد استشارة أصحابها، وكانت هذه الرغبات تُحترم، دون أن تؤثّر في السويّة، وأذكر على سبيل المثال أنّنا، في أكثر من سنة في مهرجان الرابطة الشعري الشهير، الذي كان أهمّ مهرجان شعريّ في الوطن العربيّ، أقول هذا وأنا مطّلع على العديد من المهرجانات الشعريّة، ومُشارك فيها، وبشهادة شعراء عرب دُعوا لهذا المهرجان، .. أعاد اللّه تلك الأمجاد، أقولها بشيء من الحسرة، .. في العديد من مهرجانات الرابطة حين كان يتقدّم أحد أعضاء اللّجنة بأسماء لا نعرفها، كنّا نطلب الاطّلاع على شيء من إبداعات الاسم المُقترَح، فيسحبها صاحب الاقتراح من الانترنت، وهكذا استضافت الرابطة أسماء من الأردن، ومن العراق، ومن أقطار أخرى، ماكنّا نعرفهم من قبل، بمعنى أنّ الذين كانوا يقرّرون ذلك كانوا من شعراء حمص المعروفين، أي أنّ الخبز كان يُعطى للخبّاز.
هذا العام اتّصل بي أحد الأصدقاء العاملين في الإعداد لمهرجان المدينة، ودعاني إلى المهرجان الثقافي الذي يقيمه مجلس المدينة، بعد انقطاع طويل سبّبته الحرب الكونية التي شنت على البلد، وسألته عن الموعد، وعن الأسماء التي سأشترك معها، فذكر لي عددا من الأسماء، فأعطيت موافقتي وشكرته على دعوته، وحين نُشر برنامج المهرجان وجدت اختلافا كبيرا في الأسماء، فتوقّفت متسائلا : « أما كان الأفضل أن يؤخَذ الرأي في المشاركة كما جرى في المرّة الأولى»؟!! وحين اتّصل بي ذلك الصديق، وتأكّدت ممّا وصلني وسألته بودّ:» ألم يكن اتّفاقنا على كيت وكيت»؟ فقال :» نعم، ولكنّني تغيّبت لظروف قسريّة عن الاجتماع الأخير، فأُقرّت الأسماء التي ذكرتها لك»، وتابع:» نحن بانتظار مشاركتك»، قلت :» دعْها للتياسير»، وهنا مربط الفرس، وتردّدت كثيرا قبل أن أقرّر عدم الاشتراك، وهذا أمر لم أفعله من قبل، أشير هنا إلى أنّنا في بعض مهرجاناتنا ، اتّصلنا بالبعض فوافقوا، ثمّ لم يأتوا دون اعتذار، وحين سؤال أحدهم:»إذا كنتَ تعرف أنّك لن تشارك فلماذا وافقت»؟ فقال متضاحكا:» لكيلا يغيب اسمي»!!، وأنا أُشهد الله أنني لست من ذلك في شيء، وهنا أطرح بعض التساؤلات التي قد تفيد في مهرجانات قادمة.
-أليس من الأفضل والأكمل أن يكون شاعر أو أكثر في لجان المهرجانات الشعريّة، لأنّ صاحب البيت أدرى بالذي فيه، وهذا لا ينتقص من أهليّة اللجنة المكلّفة شيئا، بل قد يضيف لها الأحسن؟
-أليس من الأكمل، والأقرب لتحقيق الانسجام أن نختار للنشاط اليومي المقرّر من الشعراء مَن تتقارب أمزجتهم، وأنتم تعلمون مدى المزاجيّة التي هي في داخل كلّ مبدع؟!
هل من المعقول أن يتحدّث في صياغة الذهب من لا معرفة له بها؟!!
أقول هذا مع احترامي لكلّ الأسماء المطروحة، فأنا أحترم كلّ مَن فتنَه الأدب، وأعلن أنّ احتجاجي على نقض الاتّفاق، لا على أيّ اسم، مشيرا في هذه المناسبة إلى كمّ التردّي في معظم نشاطاتنا الشعريّة بخاصّة، وهذا أمر يشكو منه العارفون بقيمة الشعر، ومتى يكون الشعر شعرا،.. أقوله وأنتم تواكبون على صفحات التواصل، و استسهال الصعود إلى المنابر، وكيف يفقس في كلّ يوم عشرات الشعراء والشاعرات، ويُطلَق عليهم هذا الاسم الكبير، وقد يحصد من الاعجابات ما لا يحصده المتنبّي ذات نفسه؟
أيّها المعنيّون إنّ معركتنا في الثقافة لا تقلّ أهمية عن معركتنا بالسلاح، لأنّ ميدانها الوعي، وتربية الذوق الجمالي، وإشاعة التفاؤل..
الأصدقاء الذين شاركوا في المهرجان لقد خسرت رؤيتكم، والاستماع إلى أصواتكم..
عبد الكريم النّاعم
aaalnaem@gmail.com